الرئيسية / كتاب وآراء / أحكام الدنيا وأحكام الآخرة!.. بقلم محمد الشيباني

أحكام الدنيا وأحكام الآخرة!.. بقلم محمد الشيباني

أحكام الدنيا وأحكام الآخرة..!

د. محمد بن إبراهيم الشيباني

فرح زيد من الناس بحكم المحكمة التي حكمت له ضد غريمه وطرب، وهذا الغريم قد يكون أخاه، قريبه، صديقه، شريكه، سيناً من الناس، وكسبه للقضية لأن حجته (المحامين والمستشارين والشهود ومن هم في مناصبهم) ألحن من حجة خصمه وأقوى، والأموال المدفوعة أكبر! والقضية هنا ليست محددة، قد تكون مالية، كيدية، مظلومية من المظلوميات التي يكيد فيها البشر في ما بينهم، وهنا أناقش الظالم غير المحق لما أخذه من غيره من البشر بالزور والبهتان واللعب بالحقائق هرباً من حق غيره أو طمعاً في حقهم، هذا النوع من البشر سلم واطمأن لأحكام الدنيا حتى لو صدرت من نبي مرسل وليس من قاضي الدنيا، حيث يقول رسولنا: «إنما أنا بشر، إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار» (رواه البخاري).
فهذه أحكام الدنيا، والدنيا كل شيء فيها زائل، هالك، فان، فكم ودعنا من ملوك وأمراء وشيوخ وأغنياء كانوا يملكون ما لم يخطر على بال أحد من الأموال والجند والخدم وكل متع الدنيا، فأين هم الآن؟ تحت الثرى، تركوا كل ذلك ولم يأخذوا معهم لا ديناراً ولا درهماً، حتى أكفانهم ليس فيها جيوب!
ما زلت ألح على قضايا المظالم ما بين الأسر وغيرهم، والتي يأخذ بعضها أشهراً وسنين طويلة، بل إن هذا البعض، أي الغرماء المتخاصمين، قد تركوا كل ذلك، واليوم هم تحت الأرض، فتحول الخصام إلى ذرياتهم وأحفادهم!
يالقساوة القلوب وشدتها وهم يصيحون في المحاكم: أموالنا.. أموالنا، وفي واقع الحال ليس لهم من أموالهم إلا ما أبلوا من ثياب ومتاع وما أكلوا وشربوا، فأما المكنوز والمدخور والمودوع في الحسابات، فهو لغيرهم، وسيأخذونه من بعد أن يرحلوا عنه، وهكذا مال عارية كما قال أهل الفقه، أي ليس لك، ينتقل من واحد إلى آخر!
فأين العقل هنا وبعد النظر والتأمل وترك الغفلة التي تورث الشح والتمسك بالأمل البعيد فيسول له شيطانه أنه سيعيش أكثر من نوح النبي!
قلت هذه أحكام الدنيا قد حكمت لك، فأين أنت من أحكام الآخرة؟ هل تجهزت لها بالحجة والحق والصدق والمحامين والمستشارين والأحكام التي كانت لك كما في الدنيا حين تسأل عن أخذك لها بغير حق؟ والذي يتخوض في مال العباد بغير حق فالشرائع قالت كلمتها فيه: هو من أهل النار لا ريب في ذلك. والله المستعان.

• الضعفاء.
«هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» (من قول نبينا عليه السلام).

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*