الرئيسية / كتاب وآراء / عن ضرورة استقلال هيئة مكافحة الفساد!.. يكتب بدر الديحاني

عن ضرورة استقلال هيئة مكافحة الفساد!.. يكتب بدر الديحاني

هيئة مكافحة الفساد وعجز الميزانية العامة

د. بدر الديحاني

الفساد السياسي تكلفته المالية باهظة، وهو سبب رئيس في الخلل الذي تعانيه الميزانية العامة للدولة، فالدول المُفلسة أو التي تكون على وشك الإفلاس كاليونان مثلا تكون منظومتها السياسية فاسدة، لذا فإن أول خطوة لمعالجة عجز الميزانية العامة وحالة الإفلاس الاقتصادي هي الإصلاح السياسي، بحيث تكون هناك إدارة سياسية صالحة ورشيدة، ومنظمة مستقلة للنزاهة.
ومن الأمور الدالة على الفساد السياسي المُكلف مالياً تعارض المصالح الذي يعني تجيير القرارات العامة التي يتخذها الموظف العمومي لمصالح شخصية، أي استخدام الوظيفة العامة للمصلحة أو المنفعة الخاصة، وهو أمر شائع الحدوث في الدول المتخلفة؛ لأن تولي المناصب العامة لا يكون على أساس الجدارة والكفاءة والنزاهة، بل حسب الولاء الشخصي لمتخذ القرار.
جميعنا نعرف أن بعض كبار المسؤولين (وزراء، وكلاء، أعضاء مجلسي الأمة والبلدي، رؤساء الهيئات العامة) لديهم شركاتهم الخاصة، ومن الوارد جدا أن تستفيد شركاتهم من القرارات التي يتخذونها أو يشاركون في اتخاذها، فهل تستطيع هيئة مكافحة الفساد، في وضعها الحالي، منع تعارض المصالح لا سيما أن ذلك سيوفر مبالغ ضخمة على الميزانية العامة للدولة التي تدّعي الحكومة أنها تعاني عجزاً فعلياً؟
أما موضوع الذمة المالية لكبار الموظفين العموميين، فمع أهميته القصوى إلا أنه لا يكفي أن يعلن موظف عمومي ما لوسائل الإعلام أنه قدّم كشفاً بذمته المالية، حيث إن لذلك متطلبات وشروطاً محددة تستلزم وجود حزمة تشريعات وقوانين يقوم بتنفيذها جهاز إداري ومالي مستقل، وفاعل، وقوي يستطيع التأكد من صحة المعلومات المُقدّمة ومتابعتها في ما بعد سواء أثناء الاستمرار في تولي الوظيفة العامة أو بعد تركها مباشرة.
لقد سبق أن كتبنا عن تكلفة الفساد السياسي، ودعونا ضمن آخرين أن تكون هيئة مكافحة الفساد مستقلة ماليا وإداريا بحيث لا تتبع للحكومة، كما هو الوضع حاليا، كي لا تصبح جهازا شكليا من دون أنياب، يضاف إلى الأجهزة الصورية الموجودة حاليا، وتتحمل خزينة الدولة تكاليفه المالية من دون عائد مجدٍ لأنها لن تستطيع مكافحة فساد المنظومة السياسية، أي الفساد السياسي الذي يعتبر أشرس أنواع الفساد وأكثرها تدميراً لأركان الدولة ومفاصلها؛ لأنه يوفر البيئة الحاضنة والراعية لأنواع الفساد الأخرى، بل إن تعرّض السلطات العامة للفساد يعتبر أحد مؤشرات الدولة الفاشلة التي لا تستطيع القيام بوظائفها الأساسية بالشكل الصحيح.
إن أي هيئة للنزاهة أو لمكافحة الفساد غير مستقلة عن الحكومة لن تستطيع، مهما صدقت النيات، منع الفساد السياسي وتعارض المصالح، أي استغلال كبار المسؤولين لوظائفهم من أجل تحقيق منافع خاصة أو ما يطلق عليه «الكسب غير المشروع»، لذا فإن وجودها يعتبر عبئاً مالياً جديداً وتكلفة إضافية على الميزانية العامة للدولة من الأفضل توفيرها لتقليل العجز بدلاً من البحث في جيوب أصحاب الدخول المتوسطة والفقراء لتغطية عجز مالي هم في الأساس غير مسؤولين عن حدوثه.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*