الرئيسية / كتاب وآراء / التنمية.. وبرميل النفط

التنمية.. وبرميل النفط

منذ أن هجر أجدادنا وآباؤنا البر والبحر لا هم لنا سوى بيع النفط وتقاسم ريعه.

من الخطأ تصوير التنمية في ذهن المواطن بأنها مشروع إسكان أو تعبيد طريق أو بناء مدرسة أو غير ذلك من المشاريع الخدمية، فالتنمية أكبر من ذلك وأعمق، وتصويرها بهذه الطريقة ما هو إلا تشويه لمفهومها وتبسيط لمعناها وأهدافها الحقيقية، فحينما تقوم الحكومة بتضمين برنامج عملها مثل هذه المشاريع وطرحها للرأي العام على أنها تمثل التنمية المنشودة، ثم يأتي مجلس الأمة ليثني على ما تقوم به الحكومة، فلا يمكن النظر إلى الموضوع إلا أنه حالة من التضليل الرسمي الذي ترعاه السلطتان، إما بعلم أو بغير علم، وإن كنا نرجح الفرضية الأخيرة، لأن من يرى التنمية بهذه الصورة المشوهة ليس السلطتين وحسب، بل تشاركهما في ذلك المعارضة التي أسهمت بدورها إسهاماً كبيراً في تشويه مفهوم التنمية الحقيقية ومقاصدها من خلال برامجها الانتخابية والحزيية وطروحاتها الفكرية التي تكاد تتطابق في رؤيتها للتنمية مع ما تراه الحكومة، لذلك بقينا منذ ما يزيد على نصف قرن نراوح على الحال التي تركنا عليها المغفور له بإذن الله الشيخ عبد الله السالم مؤسس الدولة الحديثة وبانيها. وهي الدولة التي لم تأخذ للأسف من الحداثة وعلوم العصر، باستثناء زيادة المساحة العمرانية، سوى مظهرهما الخادع. فنحن منذ أن هجر أجدادنا وآباؤنا البر والبحر لا هم لنا سوى بيع النفط وتقاسم ريعه في آخر الشهر على شكل رواتب للمواطنين البسطاء، ومناقصات وهبات للبعض، متناسين أن التنمية الحقيقية تتطلب منا الخروج من الوضع المخيف والمرعب الذي بقينا فيه طوال هذه الفترة. فالتنمية التي لا تهتم بالإنسان وتطوير قدراته وتعمل على تنويع مصادر دخل الدولة لا يمكن أن يطلق عليها تنمية، مهما تعددت فيها مظاهر التقدم، لأن التقدم الحقيقي هو تطوير القدرات وتنميتها، وليس استنزاف المقدرات واستهلاكها، وهو الوضع الذي نعاني اليوم تبعاته، ولعل انخفاض أسعار النفط بمنزلة جرس إنذار للإفاقة من وهم ما نحن فيه مِن عيش هش ورفاهية زائفة من أجل اللحاق بالمستقبل الذي لا يمكن العبور إليه ببرميل النفط وحده.

عوض شقير

[email protected]

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*