الرئيسية / كتاب وآراء / أزمة اللغة في التعليم الابتدائي ، بقلم / د.يعقوب أحمد الشراح

أزمة اللغة في التعليم الابتدائي ، بقلم / د.يعقوب أحمد الشراح

تهتم أنظمة التعليم باللغات لأسباب سياسية وثقافية وعلمية واقتصادية عدة، خصوصاً عنايتها باللغات العالمية التي يتحدث فيها ملايين البشر في كل مكان، ولقوتها وانتشارها أصبحت هي اللغات المسيطرة في ميادين الاتصال والبحث والعلوم والصناعة والتجارة والطب وغيرها.

لاشك أن اللغات القوية كالعربية والإنكليزية والفرنسية والأسبانية وغيرها تختلف تماماً في انتشارها وقوتها عند مقارنتها بلغات أخرى كالسواحلية، والفارسية، والأوكرانية، والبولندية، والصومالية، والسنغالية، والاوزبكية وغيرها. وسر قوتها يكمن في حروفها ومرادفاتها واتساع استعمالها في كثير من دول العالم، فضلاً عن دورها الكبير في الثقافة والبحث والإنتاج العلمي والمعرفي .

ومع ذلك هناك آلاف اللغات التي لا يتحدث فيها إلا نسبة ضئيلة من الناس، ومقصورة على أهلها في أماكن محدودة من العالم، ليس لها خاصية القوة والانتشار والتداول. فالكثير منها تندثر بمرور الزمن كما يحدث للغات أهل الجزر والغابات. أو تستمر في البقاء نتيجة لإصرار أهلها على حمايتها والمحافظة عليها وولائهم المتين للغتهم رغم التحديات أو التدخلات، أو التأثيرات اللغوية الأخرى.

والمعروف أن اللغة وعاء للفكر ومحفز للتفكير والتفاهم والتواصل بين البشر، بل يذهب الكثيرون إلى القول ان اللغة هي الحضارة. ولأهمية اللغة في حياة البشر اهتمت أنظمة التعليم بتدريس اللغات، وبالذات في مراحل التعليم العام، انطلاقاً من اتساع دائرة التواصل مع الشعوب ونقل المعرفة والثقافة وتبادل الإنجازات والمصالح.

ومما يزيد أهمية تعلم اللغات اعتبارها الأساس في التفاهم والتواصل بين الشعوب، وتأثيراتها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً في إرساء دعائم السلام بين الشعوب، ولقد زاد الاهتمام بتدريس اللغات الأجنبية في العصر الحديث انطلاقاً من الرغبة في توثيق علاقات الشعوب والدول ببعضها البعض، فكان الهدف السياسي أكثر الأهداف تأثيراً في تعلم اللغات الأخرى.

لقد اتسمت الرغبة بتعليم لغات أخرى بدوافع أخرى من دون إدراك في بعض الأحيان أن تعلم لغات أخرى في المراحل الأولى من التعليم سيكون له ثمن قد لا يدركه الكثيرون، وهي أن اللغات الأجنبية ستؤثر في مستوى تعلم اللغة الأم، بل قد تؤدي إلى قلة الاهتمام باللغة الأم إذا كانت اللغات الأجنبية هي الأكثر سيادة على المستوى العالمي، كما هو حاصل للغة الإنكليزية في يومنا هذا. فنحن نسمع في أغلب الأوقات لغتين يتحدثان بهما الأطفال وحتى الكبار في آن واحد عندما يراد توصيل فكرة أو ترسيخ رأي من طرف لآخر. فالتحدث بالعربية مثلاً لدى البعض لا يخلو من كلمات انكليزية أحياناً تنتج لغة مهجنة خليطة ليس بالعربية ولا بالإنكليزية عند التحدث بهما.

ومع ذلك، لا عيب في تعلم لغات الآخرين، بل يحتم زمننا تعليمها، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب اللغة الأم، وخاصة تدريس اللغات في المرحلة الابتدائية. فمن تجاربنا الفاشلة في التعليم إدخال الإنكليزية في المرحلة الابتدائية دفعة واحدة ولجميع صفوفها من دون إمكانات واستعداد وفي زمن قصير نتج عنه مشكلات متعددة، واليوم نسمع عن نية وزارة التربية إدخال اللغة الفرنسية في هذه المرحلة أيضاً.

إن الطفل في هذه المرحلة، للأسف، مثقل بكم كبير من المواد التي يدرسها، كما انه بحاجة إلى التركيز على لغته العربية والتي بشهادة الاختصاصيين، ووزارة التربية نفسها، تعاني الضعف الشديد، فكيف بنا أن نعلم الطفل لغتين أجنبيتين في آن واحد إضافة للغته؟

تشير الدراسات أن تعلم الطفل أكثر من لغتين في وقت واحد له تأثيرات سلبية على لغة الأم، ولبيان ذلك سنتحدث عنه في مقالات أخرى، فنحن لسنا بحاجة إلى التفكير بأكثر من لغة وفي وقت واحد، فالشعوب تتواصل بلغاتها ولا تتحدث بلغتين في ذات الوقت، كما ان إحلال لغة محل اللغة الأم في التعليم والتدريس كما في الجامعة له إشكالات متعددة ذهنية وعصبية تؤدي إلى البطء في الاستيعاب والقراءة والفهم، وفيه الكثير من العناء للمتلقي والمصدر أيضاً.

ومع ذلك، وبعيدا عن أزمة اللغة في التعليم، تتساءل ما إذا كانت إضافة اللغة الفرنسية في المرحلة الابتدائية أولوية في الدولة في ظل الدعوات المتكررة التي تنادي بتطوير النظام التعليمي، والعمل على إصلاحه، خصوصاً وأن الناس غير راضين عن مستواه ومناسبته للمستقبل؟

[email protected]

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*