الرئيسية / كتاب وآراء / حرية أم تعدٍّ ..! ، بقلم / منى فهد عبدالرزاق الوهيب

حرية أم تعدٍّ ..! ، بقلم / منى فهد عبدالرزاق الوهيب

يتعب الإنسان حين يتعلم اللغة، ويرهق عند استخدامها وتفسير عباراتها وشرح مدلولاتها، ويضني حين يفك العقد التي بينه وبين لغته، ويوهن عندما يتحدى معاناتها. يذكر ابن عباس – رضي الله عنه – أنه ظل مدة لا يعرف معاني بعض الكلمات الواردة في كتاب الله حتى سمع بعض الأعراب ينطق بما يشرحها، مع أن الرجل يُلقّب بـ (ترجمان القرآن).

في الحقيقة اللغة العربية تجمع بين الدقة المتناهية في التعبير وبين المرونة في الدلالة، حيث إن كثيراً من الكلمات يدل على أكثر من معنى، وللأسف من هذه الحقيقة انبثقت ثقافة تسمية الأشياء بغير أسمائها وهي غالبا تكون ثقافة الضعفاء الذين يتبعون الهوى ويأتمرون بأوامر النفس والشهوات.

مررت في أحد ممرات جامعة الكويت تحديدا في كلية العلوم الاجتماعية، فرأيت رجل الأمن يجلس على كرسي وأمامه طاولة، وعلى الحائط الذي خلفه علقت لوحة القرار الوزاري الذي يمنع التدخين وعقوبة من يدخن بالجامعة مذيلاً برقم هاتف نقال للإبلاغ عن أي حالة تدخين، وكان أمامي طالب يمشي ويدخن وإذا برجل الأمن الذي وضع لحفظ الأمن وتطبيق القرارات والقوانين يقف ويطلب من الطالب (سيجارة)، وقفت وأشرت على القرار، وقلت..«هذا القرار لم يُصنع ويتخذ إلا للمدخنين، أما غيرهم فليسوا معنيين ولا يشملهم القرار، فتمتم بكلمات فهمت منها أنه سيدخن بالحمام، والطالب نظر إليّ بنظرة استغراب أو استهجان أو ازدراء لا أعلم كيف أفسرها، نظرة عدم رضى تجاه موقفي».

دخلت القاعة وبعد ثوانٍ خرجت ويؤسفني ما رأيت! أن رجل الأمن الذي هو أولى من غيره بحفظ وتطبيق قرارات الأمن يقف أمام الباب الخارجي للحمام ويدخن! بعدما رآني انحرج ودخل الحمام ليكمل تدخينه وترك وظيفته الأساسية. حديث صريح جداً قال فيه الرسول – صلى الله عليه وسلم – «لا تذهب الليالى والأيام حتى تشرب فيها طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها». لو أسقطنا معنى الحرية على كل من يخالف ويتجاوز حقوق غيره، لرأينا الناس في مرحلة من تاريخنا أطلقوا على التعدي على حقوق الآخرين اسم الحرية، رغم أن العلاقة بين الأسماء والمسميات تكون نقية في البدايات، أي يكون الاسم معبراً فعلاً عن سمات وخصائص المسمى بوضوح، لكن! من الواضح أن تفريغ الاسم من محتواه ومضمونه يستهدف التخلص من الدلالات والمعاني المرتبطة بالحرية، والتنصل من المسؤوليات القانونية والاجتماعية.

من حق طلاب وطالبات الجامعة بل وحتى روّاد الجامعة أن يتنفسوا هواءً نقيا في الحرم الجامعي، بعيداً عن التلوث الذي نتنفسه تقريبا بشكل شبه يومي في الأماكن العامة والمجمعات وبعض مؤسسات الدولة.

للأمانة جامعة الكويت خصصت غرفا للمدخنين لكنها مغلقة لقلة روادها، وقليل هم من تحضّر ونهض بنفسه، فالنهضة هي أفكار وأخلاق وتوجهات ومواقف شعورية.

[email protected] mona_alwohaib

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*