الرئيسية / كتاب وآراء / أحمد عبد الملك يكتب عن – العرب وثقافة الاحتجاج

أحمد عبد الملك يكتب عن – العرب وثقافة الاحتجاج

للاحتجاج ثقافة ومنهج وسلوك! كان ذلك خلاصة حديثنا مع الزملاء في منتدى «الاتحاد» الأخير، حيث تم تداول مظاهر الاحتجاج في بعض البلاد العربية والتي تشهد ملامح غير حضارية تقوم بها فئات مهمشة أو غير راضية عن واقع الحال.
في الدول الغربية، وفي بعض الدول الآسيوية أيضاً، يتم ترتيب المظاهرات والاحتجاجات التي تعبّر عن وجهات نظر أصحابها بطريقة حضارية ومهنية، بحيث تكون الشرطة حامية لها، وتسيّرها بنظام محدد لضمان عدم تعرض أي مشارك فيها للاعتداء الجسدي من قبل المناوئين للمظاهرات. وغالباً ما تؤدي المظاهرات أغراضها بوصولها إلى مكان محدد، حيث يتم تسليم وثائق الاحتجاج، وتنفضّ المظاهرة ويعود منظموها آمنين إلى عائلاتهم دون ملاحقة أو مساءلة.
في العالم العربي، تأخذ المظاهرات والاحتجاجات في الأغلب شكل العنف، ويقوم أفرادها بتحطيم زجاج وأبواب المحال التجارية، أو إتلاف المرافق العامة التي تخدم الشعب. ويتم الاعتداء على رجال الشرطة الذين من مهمتهم حماية مصالح وأرواح الجميع! وقد يتطور الأمر إلى رشق رجال الشرطة بالحجارة والزجاجات الحارقة، فترد الشرطة بالغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، وربما يسقط جرحى أو قتلى خلال الاشتباكات، ويضيع الهدف من المظاهرة.
كثير من العرب لا يتغيرون بتغيّر المكان! أخبرني الصديق المحاور بأنه أخذ أولاده كي يستمعوا إلى الحوارات في ركن المتحدثين في «الهايد بارك» بلندن. وسمع من بعض العرب سباباً وشتماً أمام معارضيهم وجهاً لوجه، ووصل الأمر إلى تعرّض المتحدث إلى أسرة الرجل المعارض وشرفه وأخلاقه. يواصل صديقي: أخذت أولادي بسرعة إلى حيث يقف البريطانيون، حيث يتحدثون بلغة راقية، وفصاحة وإقناع، وحدث أن عارضهم آخرون من الواقفين، وبكل أدب رد المتحدث بلباقة وحجج دون التعرض للمتحدث المعارض بأي إساءة. وفي النهاية يتم الاقتناع أو عدم الاتفاق ويرحل الجميع من المكان بأمان وثقة.

ثقافة الاحتجاج تعكس صورة راقية لدى الغربيين، والذين قد يتشنج بعضهم، لكنهم لا يلجؤون إلى سب أو شتم أو تحقير معارضيهم. صورة قاتمة لبعض العرب الذين لا يتقنون فن مخاطبة الآخر، ويعولون على السب والشتم حتى في الغربة، بدل اكتساب فن الاحتجاج وعرض الرأي. هؤلاء العرب عاشوا مقموعين في بلدانهم، يخافون الهمس ضد النظام، ويترقبون وصول «زوار الليل» في أية لحظة، وصار أن سنحت لهم فرصة حرية التعبير في لندن أو أية عاصمة أوروبية أخرى، فلم يعرفوا كيف يستغلونها ويتعاملون معها. لقد شاهدنا بعضهم في أحد شوارع لندن، يحتل الرصيف ويعرقل البيع والشراء وهو يرفع شعارات ضد حكومة بلده ويوزع كتباً محظورة، بل ويحاول باصطياد العرب في ذالك الشارع لإرغامهم على التبرع لمصلحة الجمعية التي ينتمي إليها، باستخدام أسلوب الرجاء أو الوعيد!

يتعجب الإنسان عندما يشاهد صبية في بلدان عربية يدمرون مولد الكهرباء الخاص بالمدرسة التي يدرسون فيها، أو يهدمون سور المركز الطبي الذي يعالجهم، أو يهشمون زجاج معرض عام ليس بينهم وبين صاحبه أية قضية، أو يقومون بحرق الإطارات ورميها في الشوارع!

في بلدان عربية أخرى نشاهد صور الاحتجاج من خلال احتلال المتظاهرين أرقى المناطق في عاصمة البلاد، مفترشين الأرض أو ناصبين خيامهم لأيام وهم يرمون نفاياتهم في المكان، ويعرقلون حركة المرور دون مبرر سوى أن لهم رأياً يريدون توصيله إلى الحكومة! ولكأن هذا «الاحتلال» هو الأسلوب الأمثل للاحتجاج! ما هو ذنب المواطنين والموظفين الذين يخدمون الآخرين ويسيرون معاملات الناس في الوظائف العامة؟ ما هو ذنب الأطفال الذين بدلاً من أن يواظبوا على دروسهم، نجدهم يفترشون العراء أو يبيعون المحارم الورقية و(العلكة) عند إشارات المرور، وهم من عائلات المحتجين؟

للاحتجاج ثقافة وسلوك قلّما نجدهما في العالم العربي، لذلك تنشأ الأجيال على سلوك العنف والتدمير والحرق والتحقير، لا مقارعة الرأي بالرأي. وهكذا يتم توريث هذه الثقافة للأجيال القادمة، فلا تقترب الشعوب من «نعيم» الديمقراطية ولا تتحقق الحريات.

 

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*