الرئيسية / كتاب وآراء / فقه الإختلاف لا فقه الأسياف !

فقه الإختلاف لا فقه الأسياف !

الإختلاف في الإجتهاد والرأي أمر لابد منه لأنهُ قائم منذ خلق الله بني آدم وسرمديّ حتى قيام الساعة، وهذا بمراد الله تعالى فقد قال ﷻ: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ اي أن الله لو أراد الناس جميعهم برأي وبإجتهاد وبتوجه وبميول وايدلوجية واحدة ومن مشرب ومنبع واحد لجعل ذلك وهو هين عليه، إلا انه سبحانه إراد هذا الإختلاف بالرأي والإجتهاد وتعدد المشارب والمنابع لحكمته فقال تعالى:﴿أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾، و تقديراً للمكان والزمان اللذان يمران على الإنسان وهذهِ رحمةً من الله فجعل مبدأ ‘الإختلاف’ ليتواكب مع التغيير والتطور في الحياة، فالمجتمع فيه العادات والتقاليد والاعراف التي تؤثر جداً على الرأي والإجتهاد، فيجب ان لا تتضارب وتتحارب مع مجتمع آخر تختلف عاداته وتقاليده واعرافه بل تتلاصق وتتعارف وتجتمع كالفسيفُساء تتلاصق دون تناحر ومغالبه، بحيث يكون الحجر الأول متمسك بالحجر الثاني والحجر الثاني متمسك بالثالث وهكذا بكل بود حتى لا يسقط من الحجر شيئاً! تأمل!! فالشريعة الإسلامية في الفقه تتمدد مع تمدد الزمان وتتغير بتغير المكان كالشجرة التي تظل الناس وكلما زاد الناس تمددت أغصانها ليصير الجميع تحت ظلُها ودفؤها، فالأمام الشافعي رحمه الله افتى بالعراق وحينما ذهب الى مصر جدد فتواه لنفس المسائل، فهذهِ رحمة الله بعباده، إن المذموم هو الإختلاف في الاصول والثوابت والبدع!، فالطوائف التي تنسب للإسلام وهي دخلت في الشرك والبدع والضلال العظيم الذي قد يخرجها من ملة الإسلام!، وهنا قال تعالى: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ هنا الإختلاف في الدين واصوله وتبديل ثوابته وقد تفرح هذهِ الطوائف بالدنيا وتظن انها تحسن صنعا وفي الآخر توعد لها الجبار سبحانه بالوعيد! لأنهم احدثوا وابتدعوا وبدلوا دينهُ وشرعهُ وهذا ليس إجتهاد ورأي بل هو الباطل المحض!، والباطل زهوقاً مُهلك وقال تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ إن القاعدة الإجتهادية عند الفقهاء تقول ‘إجتهادي صواب يحتمل الخطأ، وإجتهادك خطأ يحتمل الصواب’ فإنظروا الى قمة الإحترام والتقدير والتواضع عند اهل العلم والدراية، لاتعصب ولا تمهذب ولا تقوقع ولا انغلاق!، فلا نكران على إجتهاد ورأي لان التقييم هنا على قاعدة الصواب والخطأ، والنكران يكون على البدع والمحدثات الهالكة لأن التقييم هنا على القاعدة الحق والباطل! ارجو الإنتباه لدقة الأمر !! ان البون شاسع بين الإجتهاد والرأي وبين الباطل والضلال، فالأول امر طبيعي بإرادة الله، والأخير كفر وهلاك ويغضب الله! فالرسول ﷺ قال ‘ إنَّ اللهَ يبعثُ لهذه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يُجدِّدُ لها دينَها’ حديث صحيح والقصد ان كل قرن يخرج من يجتهد بالرأي للأمة ويحقق بالنوازل ويفككها ويُمدد اغصان الشجرة لتظل الجميع في مختلف الاصعدة سواء الفقهية او السياسية او الاقتصادية او الإجتماعية او غيرها ..الخ، لأن الزمان والمكان المتغير يتطلب ان يوازيه الفقه المتغير الاجتهادي لاسيما بالنوازل والمحن وامور الدنيا التي تتطور وتأتي بالجديد ‘فأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مرَّ بقومٍ يُلقِّحون، فقال ‘ لو لم تفعلوا لصلَح ‘ قال فخرج شِيصًا . فمرَّ بهم فقال ‘ ما لنخلِكم ؟ ‘ قالوا : قلتَ كذا وكذا . قال ‘ أنتم أعلمُ بأمرِ دنياكم’ حديث صحيح فإن الرسول محمد ﷺ اعلن الضوء الأخضر للناس ان الدنيا أحوالها تتبدل وتتغير فتحتاج للإجتهاد وللرأي الذي يوازي هذا التغيير ويحقق المنفعة للناس، فالإجتهادات والآراء تكبر وتشيخ! فتحتاج من يعيد ولادتها وتنشط من جديد. ولا يعني اذا اجتهد احداً واخطأ يكون هذا مسوغاً لقفل باب الاجتهاد والرأي! فإن الله أمر رسوله ﷺ ان يشاور المؤمنين رغم انهم خسروا وانغلبوا في معركة أُحُد ورغم انهم خالفوا رأي الرسول ﷺ في الخروج للجبل بدلاً من التحصن بالمدينة كما اراد الرسول ﷺ وقال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ وقال الرسول ﷺ ‘إذا اجتهدَ الحاكمُ فأصابَ فله أجرانِ ، وإنِ اجتهدَ فأخطأَ فله أجرٌ’ حديث صحيح فالإجتهاد والرأي قائمان حتى قيام الساعة! وان كان الإجتهاد والرأي خطأ فله الأجر والثواب على نيته! ولكن !! الكثير يتعصب لإجتهاده ولرأيه ويعتقد انه على صواب مطلق وان الآخر على خطأ مطلق بل أحياناً يكفره ويخرجه من الملة والآخر مجتهد وصاحب رأي ليس إلا!! انهم الذين حولوا فقه الإختلاف الى فقه الأسياف!، يتحاربوا لبقاء ‘الإجتهاد والرأي الأُحاديّ’! ألم يسمعوا لقول الإمام ابن حنيفة رضي الله عنه انهُ قال ‘هذا إجتهادي فمن يأتي بخير منه فإضربوا بإجتهادي بعرض الحائط’! نعم انه فقه الإختلاف الذي يجمع لا فقه الأسياف الذي يقمع! فالثوابت والأصول في الدين ثابته لا تتغير ولا تتبدل على مر الازمان وفي كل مكان لأنها نزلت من وحيّ الله على رسوله محمد ﷺ وبأمر الله! ولكن البعض خلط الحابل بالنابل وجعل التاريخ وحياً فيتصلب بالإجتهاد والرأي ولو ظهر افضل منه واحسن! لنُحكم عقولنا ونجمع الكل تحت ظل الشجرة الدافئة، فإن التعصب يولد التنازع! والتنازع يولد الفشل! والفشل يولد الهلاك! قال تعالى:﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ نصيحة ‘إقرأ كتاب مع الأئمة للشيخ د.سلمان العودة فأنه كتاب قيم مناسب لعنوان المقال’

 

بقلم/ صالح المزيد

 

عن Alhakea Editor

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*