الرئيسية / كتاب وآراء / المراجعات السياسية.. ليست تراجعاً!

المراجعات السياسية.. ليست تراجعاً!

لقد برزت في المدة الأخيرة نماذج مهمة، أدت إلى إغناء مفهوم «المراجعة» أو «إعادة النظر» في النهج المتبع من جانب الحكومات، أو من جانب قوى المجتمع المدني، أو القوى السياسية. يضاف إلى مراجعة الإنسان لنفسه لهذا السبب أو ذاك.

في الولايات المتحدة اعترف البيت الأبيض بضرورة مراجعة السياسات المتبعة إزاء توجهات السياسة الخارجية.

وفي أوروبا، قرر العديد من الحكومات إعادة النظر في سياساتها الأمنية و«الاجتماعية» في أعقاب التفجيرات الدامية من جهة، وموجة اللاجئين من جهة أخرى.

وفي العالم العربي، اضطرت حكومات عديدة إلى إعادة النظر في سياساتها ونهجها، في ضوء التطورات والأحداث المتفجرة في ملفات، أبرزها سوريا والعراق واليمن وليبيا.

كما أن بوادر الانحدار في أسعار النفط بدأت تدفع العديد من الحكومات ــ والهيئات والمؤسسات الاقتصادية ــ إلى تغيير نهجها في مجالات عدة، تجارية وإنمائية، وحتى استراتيجية.

ومفهوم المراجعة أو إعادة النظر لا يعني، بالضرورة، تراجعًا أو اعترافًا بالخطأ أو بالحسابات التي كانت قد اعتمدت.

مفهومها العام هو إيجاد قدرة على مواكبة المستجدات، وعلى تصحيح النهج والتطوير، والتدقيق وعدم الدوران في حلقة مفرغة.

ولقد تبين، بالملموس، أن البعض استطاعوا القيام بالمراجعة السياسية، إلى هذه الدرجة أو تلك، فيما يتأرجح آخرون بين الدفاع عن السياسات غير المجدية، وبين طرح أفكار وشعارات لا تتصل بالواقع المستجد.

ولا شك أن تجديد الأفكار والرؤى والنخب والكوادر قد يكون منسجما مع المهام المرتبطة بالمراجعة وإعادة النظر في الأفكار والبرامج، وفي النهج والأسلوب المتبع. وفي المقابل، فإن قوى المعارضة في بعض الدول ــ العربية والأجنبية ــ اضطرت الى إعادة النظر في أسلوب تعاطيها مع التعديلات الحاصلة في أداء الحكومات، وكان هذا بمنزلة امتحان عسير للمعارضة أيضا.

وفي السياق، فإن قيادات فاعلة كانت تقف في الوسط، وتمارس نهجا انتقائيا ومزاجيا، اضطرت هي أيضا إلى مراجعة سلوكها وأسلوبها، وكيفية تعاطيها مع الجمهور الواسع، الذي ينتظر منها أن تغير أسلوبها في التعاطي مع المستجدات والملفات المطروحة.

بصورة عامة يمكن القول ان هناك ظروفا متحركة تحّتم علينا إيجاد إطار ورؤية استراتيجية للمرحلة المقبلة، وأن تقوم كل القوى الحية بإجراء مراجعة حقيقية لنهجها وخطابها، ولطروحاتها الإعلامية، وإيثار سياسي، ونقد ذاتي وتقييم، حتى لا تتكرر إخفاقات الماضي، وليس الالتفاف على المراجعة! لأن في أحيان كثيرة يكون تشخيص المرحلة يفتقد الكثير من الدقة.

هذا ما سيمّكن البلاد من تجاوز حالة المخاض السياسي، وخلق تعاقد اجتماعي جديد، وتحسين مناخ الثقة، وهو ما سيشكل خطوة باتجاه التأهيل الصحيح للمشهد العام، والتعاطي السليم مع المنعطفات، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي الجاد، وتجسيده في برامج تنموية ووطنية.

بقلم الكاتبة | فوزية أبل

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*