الرئيسية / كتاب وآراء / التاريخ مدرسة .. استفيدوا من عبره أيها الحكام ،،،، بقلم / أحمد الجارالله

التاريخ مدرسة .. استفيدوا من عبره أيها الحكام ،،،، بقلم / أحمد الجارالله

تمر الدول كل بضعة عقود بفترة ضعف نتيجة تراخي قبضة الحكم وعدم فرض القانون، والميل الى الدعة بفضل بحبوحة موقتة تعيشها، وغياب الرقابة والمحاسبة فيستشري الفساد، ويكثر المرتشون، ويستبد اليأس بالناس، إلا أن الأمل يظل معقوداً على قيادة رائدة تحرك المياه الراكدة وتعالج الأمراض التي تفتك بجسد الدولة.

هذا ما شهدته فرنسا في القرن السابع عشر مع لويس الرابع عشر الذي توج على العرش وله من العمر خمس سنوات، فتكفل الوزير الأول  مازاران والملكة آن بتربيته، فأحسنا تعليمه وزوّداه بشتى أنواع المعارف، حتى تسلم الحكم بعد بلوغه سن الرشد، فعمد فورا الى إقصاء غالبية المسؤولين الذين كانت تدور حولهم شبهات، وأمر بسجنهم، وقيل انه اختار قصر فيرساي مقر إقامة لهم حتى استرجع منهم كل ما نهبوه، وأطلق مقولته الشهيرة”الدولة أنا وأنا الدولة”، ولم يتوان عن إيقاف الكاردينال روتز الذي كان يحرض على الحكم.

خلال 72 عاما من حكمه المستمر استطاع لويس الرابع عشر نقل فرنسا من دولة على شفير الانهيار والاضمحلال إلى قوة عظمى في عصرها، ولقب ملك الشمس، بسبب الإصلاحات التي أجراها في الداخل، وأيضا توسعه في حكم مقاطعات عدة خارج حدوده، إضافة الى إطلاقه الصناعة، وتشجيعه الفنون والثقافة.

ما حققه هذا الملك من إنجازات هدمه خلال مئة عام من خلفه على العرش، حتى وصلت فرنسا الى الثورة وإطاحة حكم لويس السادس عشر ، وقيام الجمهورية الأولى، وإعدامه هو وزوجته الملكة ماري انطوانيت، التي نقل عنها قولها ليأكل الناس البسكويت، حين علمت أن الثورة بدأت بسبب النقص في الخبز.

ما تزال قصة تقلب الدولة الفرنسية المثال للدول التي لا يحسن قادتها الحفاظ على مقوماتها الأساسية، فيما النموذج الإصلاحي الآخر، هو حكم الملكة اليزابيث الأولى في القرن السادس عشر التي لُقبت بالملكة العذارء لأنها اختارت التفرغ لحكم بلادها، معتمدة على  فريق من المستشارين الموثوق بهم، والمخلصين، فعمدت فور توليها الحكم الى اتخاذ سلسلة قرارات جريئة غيرت وجه انكلترا إلى الأبد، فقد ألغت الأعراف السائدة بشأن الاضطهاد  الديني الممنهج، وبدأت بإنشاء سلسلة مؤسسات رسمية منظمة كانت النواة الأولى لحكم المؤسسات الراسخ في المملكة المتحدة، كما أنها رفعت مستوى حياة مواطنيها، فشهدت بلادها ازدهاراً اقتصادياً وقوة عسكرية إضافة الى انتعاش الثقافة والفنون، وبذلك أثبتت أنها ملكة مثابرة وعنيدة وذات شخصية قوية.

الملك الفرنسي والملكة الإنكليزية ليسا وحدهما من خلدهما التاريخ على ما قدماه لوطنيهما، فهناك قادة كثر في العالم انتشلوا أوطانهم من الفساد والضعف والأزمات وجعلوها قوى عظمى، ففي الولايات المتحدة الأميركية، التي بلغ عدد المتعاقبين على البيت الابيض حتى اليوم 46 رئيساً، لا يسجل التاريخ إلا سير قلة منهم تركوا بصماتهم على الدولة العظمى، بدءا من جورج واشنطن، مرورا بلينكولن، وهربرت هوفر، وفرانكلين روزفلت، وهاري ترومان، ودوايت ايزنهاور، وصولا الى رونالد ريغان، وجورج بوش الأب.

قادة تلك العصور كانوا يستفيدون من وسائل إعلام عصرهم لتسويق قراراتهم، بينما اليوم يمتلك الحكام كل الوسائل التكنولوجية والإعلامية التي تؤهلهم لنشر أفكارهم ومشاريعهم بسرعة أكبر، ومن خطأ المسؤول أي مسؤول ألا يكون لديه إعلام يدافع عن إجراءاته، خصوصا اذا كانت هناك كثرة في الآراء التي يكثر فيها الغث والسمين، لذا فإن عبر التاريخ مدرسة الحكام الذين  يتعلمون فيها كيف ينقلون أوطانهم من مرحلة المرض والضعف الى القوة والريادة، وهؤلاء من يطلق عليهم التاريخ رجل في أمة.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*