الرئيسية / كتاب وآراء / الوحدة في عالم الدنيا ( د. حسن عبدالله عباس )

الوحدة في عالم الدنيا ( د. حسن عبدالله عباس )

 

 

كل شيء في الدنيا تراه موحداً ويتبع قانونه المركزي. في هذا العالم الفسيح، تتبع الكواكب والنجوم قوانينها الفيزيائية، كالجاذبية التي تشد هذه الكائنات بعضها ببعض.

في الارض الامر هو نفسه كما لباقي النجوم والكواكب. فكما لتلك قوانينها المركزية، توجد هنا ايضا مركزية بالنسبة للحيوان والنبات والانسان. فالحيوان يعيش على فطرته، وقانون الطبيعة حاكم عليه بحيث لا يقتل ولا يأكل الا عندما يجوع، ولا يشرب الا عندما يعطش. والنباتات لا تكبر ولا تنمو الا بحسب قوانين الطبيعة، فان اجتمعت عناصر التربة الرئيسية والضوء والماء، اتسمت بالحياة وكبرت ونمت. والجميع يتكاثر بقوى مادية خاصة للتكاثر، وهكذا لباقي الامور.

الانسان المخلوق الوحيد الذي يفكر ويدبر ويحلل ويفهم ويدرك ويستشعر المسؤولية ويقرر ويختار، لكنه مع ذلك يظل مقيدا بقيود قوانين الطبيعة التي لا يمكنه ان يخرج عن سلطانها. لذلك فهو يجوع ويعطش ويكبر ويمرض ويهرم ويموت. فهو عاجز عن تغيير حقائق الدنيا وقوانين الطبيعة.

من بين القوانين التي تعشعش في باطن عقله حب الذات وحب السلطة والسيطرة. فالانسان مجبول على حب النفس والذات وحب السيطرة والتحكم. لهذا لم تخلُ الارض من دول عظمى كانت وما زالت شغلها الشاغل التوسع والسيطرة. فهذه اميركا اليوم تريد التوسع بحجة فرض ونشر الديموقراطية في العالم. ومن قبلها كان العالم موزع بين القطبين السوفييت والاميركان لما يقرب من خمسة عقود (منذ الحرب العالمية الثانية)، ويريد كل واحد منهما نشر فكره عالميا، فالاول يريد الماركسية والاخر يريد الليبرالية السياسية. وقبلهما كانت القومية الاوروبية هي السائدة تمددت واجتاحت العالم بعد ثوراتها الديموقراطية على انظمتها المستبدة. وسبقهم العثمانيون ممن ارادوا نشر الدين الاسلامي كتاريخ توارثونه عن العرب وحروبهم الطويلة. وهكذا سبقتهم مجتمعات ودول عظمى في ازمنتها وكلها تريد ان تبسط سيطرتها والوحدة على ارجاء المعمورة. نعم قد تختلف هذه الدول بالاجابة عن لماذا، لكنها جميعا تعترف وتتفق على سمة المركزية.

هذا يجرنا لاستنتاج مهم وهو ان الانسان يعيش كأي مخلوق آخر تحكمه قوانين الطبيعة. فهو ايضا مقيّد بقانون طبيعي كوني وهو الانصياع للوحدة ولقيادة مركزية واحدة. فكما قلنا سابقا، لم توجد دولة واحدة عظمى تركت للناس حرية العيش من دون اي تدخل، وهي بالتالي خصلة انسانية كونه مخلوقا كالمخلوقات الاخرى ويتبع لقوانين الكون والحياة وهي الاتحاد والانصياع ضمن عنوان المركزية والوحدوية.

من هنا اقول بأن الحياة لن تستقر، ولن يعيش الانسان في حالة سلام لان الحرب بحسب ما سبق هي الاصل ضمن فكرة وجود الدول والحدود، فسيكون هذا حاله ما لم تخضع البشرية كلها لقيادة مركزية واحدة. فهذه القيادة الى اليوم لم تتحقق، مما يعني ان جميع ما تم طرحه من افكار وجهود لتوحيد الارض مازالت ناقصة وتعاني من عيوب مما جعلها تعجز عن هذا التوحيد. والى حين مجيء المخلص والموحد للارض، عليكم بشد الاحزمة والاستعداد للمزيد من المشاكل والحروب!

[email protected]

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*