الرئيسية / كتاب وآراء / الجمال صنيعة الحب!

الجمال صنيعة الحب!

نحن مجتمعات لا تدرك أن الحب يصنع الجمال، وأن الواقعية تبني مدينة.

نعم، نحن المجتمعات الأقل حباً، والمتراكمة في أعماقها أكوام الغضب والسخط والكراهية تجاه كل جديد ومختلف، المجتمعات التي تمتنع عن فتح أبواب التفكير وتوصد نوافذ عقولها وقلوبها ولا تسمح لهواء نقي بالدخول ليجدد جواً راكداً وممتلئاً بالغبار، في الواقع يحدث ذلك لأننا مجتمعات أقل حباً وقبولاً لنفسها أولاً، لأننا مجتمعات تتمسك بتلابيب ماض عتيق بكل أسماله وإرثه الألق والرث على السواء، مجتمعات تتوه في أزقة الأوهام التي لا ظل لها، وتقبل بالرزوح تحت وطأة الاستعباد الفكري والانضغاط داخل إطار المجموعة، ترضخ طوعاً للعيش في صندوق الجدات الراحلات بين طيات الأشياء القديمة والأحلام التي لا تصير إلى واقع، فتنسى تماماً أن خارج هذه الغرفة المعتمة شمس وغيمة وشجرة، تترك ثوب الحاضر ينسل من بين أيديها لتركن بذلك المستقبل متخشب الأوصال على رف الغفلة والنسيان عارياً في شتاء بارد وقارس.

ماذا لو تفتح مجتمعاتنا أقفاص صدورها وتطلق عصافير الحب في سماء هذا العالم الشاسعة؟ أن تنتف ريش الغربان عن أجنحتها الكسيرة وبحب الحياة والقبول والتقبل تضمدها وتجبرها، أن تتوقف عن الاقتتات على جيف الأفكار الميتة منذ سنين؟ وأن نغير نحن عادة الحملقة في زاوية واحدة من غرفتها الحجرية الرطبة والمعتمة والمصرّين بعناد الأطفال على المكوث فيها إلى أبد الآبدين؟ ليس مهماً أن نستدير لنمعن النظر في زواياها الأربع، بل أن نخرج إلى الحقول الخضراء الفسيحة، أن ندرك أننا كمجتمعات لسنا وحدنا في هذا العالم، أن نعي أن الانغلاق لا يؤدي إلا إلى اختناق يفضي إلى موت!

ها نحن نتناقص تدريجياً، نموت اختناقاً بعد أن غلفنا رؤوسنا بأكياس الكراهية البلاستيكية، وبعد أن أمعنا في تفريغ رئات مجتمعاتنا من الأكسجين النقي لنشهق ناحبين على الموت اختناقاً، ثم نطلق رصاص اتهاماتنا لكل من حولنا بسبب جرائم موتاتنا المتكررة التي ارتكبناها بحق أنفسنا، في الحقيقة نحن مجتمعات بارعة في تعليق خيباتها على الشماعة الأكذوبة وهي كره العالم قاطبة لنا، ذلك لأننا عاجزون عن رؤية كم الكراهية المتراكم في أعماقنا، ليست هناك مؤامرات تحاك وفخاخ تنصب حولنا، بل هو النجاح الذي لا يفسر ضداً للفشل بل رديفه.. هناك آخرون ناجحون لأننا الفاشلون في هذا العالم، ولأننا أقل حباً.. أقل واقعية.. أقل تفكيراً وتجديداً للهواء الذي فسد وظل ماكثاً في رئاتنا.. نعم، نحن المجتمعات الأقل حباً والأكثر خيبة في هذا العالم!

أسيل عبدالحميد أمين

[email protected]

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*