الرئيسية / كتاب وآراء / صحب الناس قبلنا ذا الزمانا وعناهم من شأنه ما عنانا ،،، بقلم: مشعل السعيد

صحب الناس قبلنا ذا الزمانا وعناهم من شأنه ما عنانا ،،، بقلم: مشعل السعيد

الزمان هو الوقت، طويلا كان أم قصيرا، وقد صحب الناس قبلنا هذا الزمان وأهمهم من أمره ما أهمنا، بمعنى شغلهم مثلما شغلنا، وخبروه مثلما خبرناه، وكلهم عناهم الزمان كما عنانا ونالهم الذي نالنا من اختلاف شأنه من راحة وتعب وحزن وفرح والناس بلا استثناء يهمهم الزمان، هذا المعنى الإجمالي لبيت الشعر، ثم يقول على نفس السياق:
وتولوا بغصة كلهم منه
وإن سر بعضهم أحيانا
وهنا يصف تلون الزمان، فلا أحد نال ما يبتغي من الدنيا، فلم ينل مراده وأمله ومات بغصته وإن سر في بعض الأحايين، والغصة الألم والحزن والهم والغم المتواصل، وكل من مضى قبلنا مضى وفي قلبه غصة من الزمان، كقول القائل «كل يبيت من الدنيا على غصص» فالزمان وإن كان قد أسعدنا فقد أذاقنا الكدر أكثر، ثم يذهب الشاعر الى أمر آخر، فيقول حكمة:
ربما تحسن الصنيع لياليه
ولكن تكدر الإحسانا
وهنا يقول إن الدهر يعطي، ثم يمن فيما أعطى ويحسن ولا يتم إحسانه، فالدهر آخذ ما أعطى، مكدرا ما أصفى، ومفسدا ما أهوى إليه بيد، فالزمان يمزج الإحسان بالإساءة والتكدير، فحلاوته مرارة، كقول صريع الغواني مسلم بن الوليد:
والدهر آخذ ما أعطى مكدر ما
أصفى ومفسد ما أهوى له بيد
فلا يغرنك من دهر عطيته
فليس يترك ما أعطى على أحد
ثم يقول هذا الشاعر:
كلما أنبت الزمان قناة
ركب المرء في القناة السنانا
والمعنى هنا: إذا أنبت الزمان قناة، أي شر وكيد يطلب به هلاكنا ركب الإنسان في تلك القناة السنان فیصیرها رمحا، بمعنى أن الإنسان يتم أمر الدهر في الإيقاع بنا كأنه يقول إن الإنسان يعين الزمان على فعله، فالقناة مثلا لما في طبع الزمان والسنان مثلا للعداوة، ثم يقول:
ومراد النفوس أصغر من أن
نتعادى فيه وأن نتفانی
وفي بيت الشعر هذا نهي عن المعاداة والتحاسد لأجل مراد النفس، فالأمر أقل من نتكلف لأجله معاداة الرجال، فالذي نطلبه أصغر من التفاني عليه حتى يصل الأمر إلى الحروب وقد جمع الشاعر في هذا البيت آدابا ثلاثة، لو تأدب بها الناس لكانت المنفعة عظيمة، ولكن الذاكر لها لم يأخذ بها، فكيف يأخذ بها سواه، لأنه كما نعرف من سيرته وهو المتنبي انه كان شديد الحرص على الدنيا، والشعراء يجوز لهم ما لايجوز لغيرهم، وقد قال الله تعالى في حقهم: والشعراء يتبعهم الغاوون«224» ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون«225» وأنهم يقولون ما لا يفعلون«226». الشعراء.
والمتنبي شاعر العربية الأول، وقد ذكرته كثيرا، لأنه نادر الشعر، وهو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي، ولد سنة ثلاث وثلاثمئة بالكوفة وقتل في المعركة سنة أربع وخمسين وثلاثمئة للهجرة في موضع يقال له الصافية بالقرب من النعمانية بالجانب الغربي من سواد بغداد عند دير العاقول. وفي هذا القدر كفاية ودمتم سالمين وفي أمان الله.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*