الرئيسية / عربي وعالمي / 2016.. عام «الزلزال الشعبوي» على ضفتي «الأطلسي»

2016.. عام «الزلزال الشعبوي» على ضفتي «الأطلسي»

فاز مرشح «الحزب الجمهوري» الملياردير دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية؛ في خطوة فاجأت العالم، رغم سلبياته العديدة، من التحرش بالنساء إلى البذاءة وعدم دفعه الضرائب وخطابه المعادي للمهاجرين، وتصوراته العنصرية عن الأديان الأخرى.
ومع هذه النتيجة، التي حارت فيها مراكز الدراسات والأبحاث في اميركا، بدا أن ما حدث كان انعكاساً لقاعدة شعبية واسعة في الولايات المتحدة، لم تعد ترحب بالمبادئ الديموقراطية، وتريد تعزيز الحس القومي.
وتزامناً مع الحدث الكبير في الولايات المتحدة، ظهر ميل مشابه عند شعوب أوروبية، حيث بدأت قوى قومية تطل برؤوسها، في سعي إلى بلوغ مراكز الحكم، وبات السؤال الأهم الآن: هل نحن مقبلون على مرحلة عالمية تتصدّرها الشعبوية؟ وهل سيظهر في العالم سياسيون يلعبون على وتر الغرائز والانقسامات والعنف؟

لقد مثّلت الهزيمة الانتخابية المذهلة التي ألحقها ترامب بمنافسته هيلاري كلينتون في 8 نوفمبر الماضي، نقطة تحول مفصلية، ليس بالنسبة إلى السياسة الأميركية فقط، بل وإلى النظام العالمي بأسره، أنذرت بولوج عصر جديد من القومية الشعبوية، يتعرض فيها النظام الليبرالي للهجوم من قبل الغالبيات الديموقراطية الغاضبة والمفعمة بالطاقة والحيوية، وبدا ان ثمة خطورة هائلة من الانزلاق نحو عالم من القوميات المتنافسة والغاضبة في الوقت نفسه. وإذا ما حدث ذلك، فإننا بصدد لحظة تاريخية حاسمة، مثل لحظة سقوط جدار برلين في عام 1989.

فوز ترامب

يكشف الأسلوب، الذي انتصر من خلاله ترامب، عن الأساس الاجتماعي للحركة التي أطلق لها العنان، فمن خلال نظرة على خريطة التصويت، يظهر جلياً أن التأييد لكلينتون تركز جغرافياً في المدن التي تقع على امتداد الساحل، بينما صوّت الناس بقوة في مساحات شاسعة من المناطق الريفية والبلدات الصغيرة لمصلحة ترامب. وكانت أكثر التحولات إثارة للدهشة، تمكّن ترامب من كسب بنسلفانيا وميتشيغان وويسكونسن، الولايات الصناعية الشمالية الثلاث، التي كانت باستمرار تصوّت في الانتخابات التي جرت في الماضي القريب، وفي شكل حاسم، لمصلحة الديموقراطيين، لدرجة أن كلينتون لم تعبأ حتى بالترويج لنفسها في الولاية الأخيرة منها.
لقد تمكن ترامب من الفوز لأنه كسب أصوات العمال المنضوين في النقابات المهنية، الذين كانوا قد تلقوا ضربة موجعة، بسبب تراجع المشاريع الصناعية، خاصة أنه وعدهم بأن «يعيد لأميركا مكانتها العظيمة» من خلال استعادة وظائفهم التي فقدوها في قطاع الصناعة.

موقف قومي

يملك ترامب موقفاً ثابتاً تم التفكير فيه بعناية فائقة، فهو قومي، حين يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية، وكذلك في ما يتعلق بالنظام السياسي العالمي، وصرح بوضوح أنه سيسعى إلى إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية الحالية مثل «النافتا» وربما أيضاً منظمة التجارة العالمية، وإذا لم يحصل على ما يريد، فهو على استعداد للنظر في الخروج منها والتحلل من التزاماتها.
كما أعرب عن إعجابه بالزعماء الأقوياء، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذين يحصلون على النتائج التي يريدونها بفضل الفعل الحاسم. وتجده أقل شغفاً بحلفاء أميركا التقليديين مثل زعماء دول الحلف الأطلسي «ناتو» أو اليابان وكوريا الجنوبية، الذين يتهمهم بالركوب على ظهر الولايات المتحدة والتطفل على نفوذها وقوتها. وهذا يمكن أن يفهم منه أن دعم ترامب لهؤلاء، سيكون مشروطاً بإعادة التفاوض على الترتيبات القائمة حالياً، والخاصة بالتحمل المشترك للأعباء والتكاليف، فما لبث النفوذ الأميركي يعتمد باستمرار على «القوة الناعمة» أكثر مما يعتمد على استعراض العضلات ونشر القوات، كما حدث في غزو العراق، لكن الاختيار الذي توجه نحوه الأميركيون، باختيار ترامب، يشير إلى حدوث انتقال من خندق إلى آخر، من معسكر الليبرالية العالمية إلى معسكر القومية الشعبوية.

إرهاصات الشعبوية

ترى الشعبوية نفسها متحدثة باسم المنسيين، من الناس العاديين، وتقدم نفسها على أنها صوت الوطنية الصادقة. وأنها الدواء الوحيد لعقود من الحكم الكارثي، لحفنة من النخب.
وتوجه إلى العولمة والهجرة، تهمة إضعاف فرص العمل والإخلال بالمعايير الديموغرافية والثقافية. وحتى في الولايات المتحدة، بلد التنوع، يربط كثيرون بين الهجرة والأمن.
أما في أوروبا، فبات الأفق السياسي مقرونا بالتقلبات التي تشهدها التحركات الواعدة بالانعتاق من النخب المدنية، وتلك التي يوجد مقرها في بروكسيل، و «إعادة» البلاد إلى طبقاتها الوسطى.
وكما حصل خلال حملات «بريكست» (المبادرة البريطانية للخروج من الاتحاد الأوروبي) أو الرئاسة الأميركية، سيطرت على النقاشات التي سبقت الانتخابات الأوروبية، مواضيع يوليها الشعبويون اهتمامهم، مثل عواقب العولمة والهجرة ودمج المسلمين.
وأجج هذه النقاشات وصول أكثر من 1.3 مليون شخص إلى القارة الأوروبية منذ 2015، يمثّل المسلمون القسم الأكبر منهم. وأيضا ارتكاب متطرفين مجموعة من الاعتداءات الدامية في فرنسا وبلجيكا.

بلا حدود

يعتبر الباحث في مدرسة هارفرد الحكومية ياشا مونك أن «الغموض كبير» للعام 2017، موضحاً ان «هناك أمرا واحدا أكيدا هو أن انتخاب ترامب يثبت أن لا حدود طبيعية لنمو الحركات الشعبوية».
ويتابع: «إذا ظن الناس أنه من المستحيل أن تفوز مارين لوبان، فإنهم يرتكبون الخطأ نفسه الذي ارتكبه كثير من أصدقائي الذين ظنوا أن ترامب لا يمكن أن يفوز».
ولو نظرنا إلى الأمور في شكل أوسع، سنخلص إلى أن فترة رئاسة ترامب، ستؤذن بنهاية العهد الذي كانت فيه الولايات المتحدة تمثّل رمزاً للديموقراطية نفسها في أعين الشعوب التي ترزح تحت حكم الأنظمة السلطوية في مختلف أرجاء العالم.
إن رئاسة ترامب ستدشن عصرا جديدا من القومية الشعبوية، وسيتعرض فيها النظام الليبرالي للهجوم من قبل الغالبيات الديموقراطية الغاضبة، على حساب الطبقات المثقفة، وبما ينسجم مع خطاب بوتين والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان.

التأثر الأوروبي

كان لفشل اليسار الأميركي في تمثيل الطبقة العاملة، ما يماثله تماما في مختلف أرجاء أوروبا، حيث تصالحت الديموقراطية الاجتماعية مع العولمة، منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وكشفت «بريكست» أن أصوات المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي، تركزت – مثل أميركا – في المناطق الريفية، والبلدات الصغيرة خارج لندن.
وكان فوز ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد، في عام واحد، حدثين مهمين، جعلا عام 2016 عام «الزلزال الشعبوي» على ضفتي «الأطلسي»، وبدا التشابه عند الشعبين الاميركي والبريطاني، في التوجه نحو الشعبوية، حيث ترجم الملايين منهم، في صناديق الاقتراع «رفضا للمؤسسة» و «شعورا مماثلا من الاستياء» من العولمة والهجرة والارهاب.
وفي النمسا، وبعد هزيمة المرشح الشعبوي، نوربرت هوفر في الانتخابات الرئاسية، في الرابع من ديسمبر، أعربت الأحزاب التقليدية وتلك المؤيدة لأوروبا عن ارتياحها لنجاة البلاد من «تأثير ترامب». لكن هؤلاء أنفسهم باتوا يعربون عن قلقهم حيال ايطاليا، الاقتصاد الثالث في منطقة اليورو، بعد استقالة رئيس الحكومة ماتيو رينزي، حيث يمكن أن تؤدي هذه الاستقالة الى انتخابات مبكرة، تلهب حماس الشعبويين في «حركة 5 نجوم» و»رابطة الشمال».
وفي هولندا، ستجرى أيضا انتخابات برلمانية في مارس. ويمكن أن يحل حزب المتطرف المعادي للمسلمين، غيرت فيلدرز، في الطليعة، للمرة الأولى، حتى لو أن المشهد السياسي الهولندي الشديد التشرذم، يمكن أن يمنعه من تشكيل تحالف حكومي.
وستليها في مايو الانتخابات الرئاسية الفرنسية، حيث نجد أن ناخبي الطبقة العاملة، الذين كان آباؤهم وأجدادهم في العادة يصوّتون لمصلحة الأحزاب الشيوعية والاشتراكية، باتوا الآن يصوتون لمصلحة الجبهة القومية برئاسة مارين لو بان، التي من المتوقع وصولها إلى الدورة الثانية، لمواجهة المحافظ فرنسوا فيون، حتى ان كان قرار الرئيس المنتهية ولايته فرنسوا هولاند بعدم الترشح يفتح أبواب اللعبة السياسية على مصارعيها.
وفي ألمانيا، تواجه المستشارة أنجيلا ميركل، التي استقبلت في 2015 أعدادا كبيرة من اللاجئين، بروز «حزب اي.دي.اف» المعادي للهجرة والمعادي للإسلام، الذي حصل على 13 في المئة من الأصوات المؤيدة وانتقادات حادة في اطار حزبها السياسي. وجاءت عملية الدهس الارهابية في برلين قبل ايام لتزيد من صعوبة موقف المستشارة الالمانية.
ولم يكن مصادفة أن حاز ترامب على دعم قوي من قبل زعيم «حزب الاستقلال البريطاني» نايجيل فاراج، ولم يكن مستغرباً أن يكون أول من اتصل به مهنئاً بفوزه في الانتخابات، لوبان.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*