وأد شرعي

أحتاج لذاك الجنون المتمرد على جميع قيم العقلانية … أحتاج لأن أخلع قيود المجتمع وأتجرد لا رغبة فقط وإنما عنادا على سائر العادات والتقاليد … تلك التي يضعها البعض في مصاف الدين … تقديسا لها ، وإجلالا من قدرها . الاختباء ليس إلا من شيم الجبناء ، والموهبة التي منحني الله إياها لها عليّ حق الصقل والتنمية ، وليسرح الباقون تحت خبايا أقنعتهم وأسماءهم المستعارة .
الكتابة ليست وصمة عار , هناك عقول مريضة تنبذ كل ما هو جديد في المجتمع ، لقد باتت مجتمعاتنا تخشى الحرية أكثر من الأصفاد ، لو قيّد أحدهم وجُرّ من رقبته كالتيس ربما كان ذلك المنظر أهون بكثير من دخول موضة جديدة أو قناة جديدة أو مجلة فاضحة ، أن تمشي أعمى بين الناس أصبح أكثر هوانا من أن تُُدخِل شيئا جديدا ، بصرف النظر عما إذا كان شيئا نافعا أو ضار. الأهم من كل هذا هو أن تحافظ على مجتمعك منغلقا على نفسه ولا تترك له الحرية في استخدام النعمة التي ميزه الله بها عن سائر الخلق …ألا وهي العقل في الاختيار.
وتعد الكتابة أياً كانت هي وسيلة من وسائل الحرية , وإدخال ثقافات جديدة . وفتح أعين الناس على كل ما هو عصري وجديد ، فالإعلانات نشأت من كتابة ، الصحافة والإعلام ، المجلات والجرائد، وقد باتت الكتابة كما الفئران … إن نتجت عن أنامل أنثى فهي تحمل الطاعون بلا أدنى شك … طاعون العار ولا بد من قتل هذا الفأر أو استبعاده أو النفور منه .
ما زال ذكر اسم الفتاة عيبا في مجتمعنا … ربما عّدنا قليلا للوراء … كان وأد البنات سائدا في زمن الجاهلية … قبل ظهور الإسلام ، ولكنه استمر بعد ظهوره بطريقة شرعية عن طريق وأد المواهب والظهور ، وعلى الرغم من الانفتاح والحرية في العالم العربي إلا أن هناك مجتمعات ما زالت لا تسمح للفتاة بالحصول على أبسط حقوقها ألا وهو حق التعبير عن الرأي …حق الكتابة … حق ممارسة هواياتها والافصاح عنها أمام الآخرين … لا تقلقوا يا سادة فالفتاة لن تكتب عن الأمور السياسية ولن تتدخل في أمور الرياضة وغيرها … هذه أمور لا تتعلق إلا بالمختصين فيها فقط … ولكنها إن فعلت ذلك فسأقف وأصفق لها كالعادة …ولكن التخلف يكمن في عقول البعض يا سادة
في مقالها الأول الذي نشرته باسمها بعد عدّة مناقشات وترجّيات من أهلها فما كانت المجلة لتسمح لها بأن تستخدم اسما مستعارا …. كان أخوها قد سحب المجلة من بين يدي أصدقائه وخبأها في صندوق سيارته في كيس معتم حتى يصل بهذه المجلة إلى أخته ليطلعها ويهنّيها على نشرها لمقالها … هي لم تفرح لذلك بعدما كتمتها في نفسها وامتنعت عن الكتابة بعدها والنشر للأبد … وكأن ما فعلته جرما وعيبا ….
الأخرى ما زالت تنشر كتاباتها باسم أخيها نيابة عن اسمها … يسرق الأضواء امام ناظريها … هو لا يفقه من الكتابة شيئا …. ولكنه لا بد أن يحمي أخته ويصون عرضه ويقتسم المردود المادي معها … حتى انطفأت موهبتها وذبلت وانطفأت معها رغبتها في الحياة ورغبتها في الكتابة ….
والأخرى بمجرد أن كتبت في الحب فهي تحولت إلى ساقطة … تستحق المحاكمة والرجم فلا يحق سوى للمتزوجات أن يكتبن في الحب … والموضوع هنا مجرد بعثرة كلمات في الحب لا أكثر ولا أقل …. ولا أستغرب الأمر فالمجتمع الذي يعتبر الحب جريمة سيعتبر الكتابة عنه جريمة كذلك ….
وبهذه الأفكار المريضة يتم فيها وأد المواهب ودفن الحريات ولكن بصورة شرعية .

بقلم: فوزية البدواوي
طالبة طب أسنان

أسعد باستقبال آرائكم على تويتر وانستجرام
@Foz_bd93

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*