الرئيسية / محليات / الكويت محطة إبداع وإلهام للمثقفين

الكويت محطة إبداع وإلهام للمثقفين

مازالت الذاكرة الفنية الكويتية – العراقية الممتدة من خمسينيات القرن الماضي حتى عقد التسعينيات حاضرة في أذهان العراقيين فالكويت في تلك الحقبة كانت محطة الهام فني وذائقة ثقافية تربت عليها الاجيال المتعاقبة.
هذه الحقبة يتحدث عنها من عاشها بشغف وحنين لانها حملت في طياتها تبادلا ثقافيا وفنيا بين العراق والكويت وأضحت لاحقا موروثا مشتركا بين البلدين.
أستاذ الفنون المسرحية في كلية الفنون الجميلة بمدينة البصرة طارق العذارى الذي اجرت معه وكالة الانباء الكويتية (كونا) هذا اللقاء كان شاهدا على تلك الحقبة التي انتشرت فيها الثقافة الكويتية باختلاف فنونها وشكلت بوابة لشواهد وشخوص فنية تأثر بها الشارع العراقي والبصري على وجه الخصوص فنيا وثقافيا.
ويقول العذارى عن ذكريات الحقبة التي تعود الى زمن طفولته في الخمسينيات ان “الكويت بلد أحببته دون ان أراه فقد كانت هي وعاء المعرفة عبر برامج تلفزيون الكويت التي لم تفارق ذاكرتي منذ الصغر مثل برنامج (تعلم اللغة الانجليزية) وبرنامج (دنيا الأسرة) الذي كانت تقدمه المخضرمة فاطمة حسين وبرنامج الدراما التلفزيونية للفنان الراحل خالد النفيسي”.
ويتطرق الى صدى اذاعة الكويت انذاك في الشارع العراقي والبصري تحديدا ويقول” إن برامج هذه الإذاعة كانت مسموعة في (البصرة) بخاصة تلك الاعمال الروائية الأدبية التي كان بعضها من إخراج الأستاذ الراحل (مهند الأنصاري) مثل رواية (البؤساء) فكنا نتابع من دون ان نشعر حينها بأي فوارق جغرافية او سياسية واجتماعية أو تاريخية مع إخواننا في (الكويت) والسبب يعود للقلوب السمحة التي تجسدت عبر برامج عدة”.
ويشير ايضا الى منوعات تلفزيون الكويت وبرامجه الشهيرة في ذلك الحين من بينها برنامج حاز شعبية كبيرة في وقت كان بث تلفزيون بغداد لا يصل لكل العراقيين وهو برنامج (ماما انيسة والصغار) الذي حقق شهرة واسعة في حقبة السبعينيات وكذلك طائفة من البرامج المتنوعة التي كان اهل البصرة وما حولها يلتقطون بثها.
ويؤيده في هذا الرأي مؤلف الكتاب العراقي (المسرح في الكويت) خالد الزيادي ويقول “لقد كان العراقيون في بغداد والبصرة يتداولون في مجالسهم بالنقاش سلسلة من الاعمال الفنية التي كانت اذاعة الكويت تبثها عبر الاثير سواء كانت ادبية او علمية او تاريخية ومنوعة”.
ويتحدث العذارى عن المسرح الكويتي ورواده مستذكرا وجها بارزا كانت له الريادة في نشر الفن المسرحي الكويتي وهو الراحل حمد الرجيب مؤسس الحركة المسرحية العلمية في الوطن العربي والذي تربطه علاقة وثيقة بالثقافة العراقية ويقول ان “العراقيين كانوا يتعايشون مع الاعمال الفنية للمسرح الكويتي خصوصا الاعمال التاريخية ذات القيمة التاريخية”.
ويذكر ان عروضا قدمتها الفرقة المسرحية بقيادة المخرج والفنان الراحل صقر الرشود في بغداد وكتبت عنها انذاك الصحف والمجلات العراقية وكان لها وقع على المسرح العراقي الذي كان يتفاعل بالاعمال المسرحية الكويتية لاعتبارات عدة منها التداخل الاجتماعي بين المجتمع الكويتي والعراقي في العادات والتقاليد والطباع واللهجة.
كما يذكر العذارى من حقبة الستينيات زيارة فرقة (المسرح العراقي الجديد) لدولة الكويت عام 1966 وتقديمها عملين على المسرح الكويتي وهي مسرحية (عقدة حمار) و(فوانيس) من إخراج الراحل ابراهيم جلال وايضا مجموعة اعمال مسرحية مشتركة من تقديم سعدون العبيدي منها مسرحية (مشروع زواج) للمؤلف الكويتي (حسين الحداد) عرضت على مسرح كيفان في عام 1969 وكذلك مسرحية (الام).
ويرى ان التواصل الفني المسرحي بين الكويت والعراق لم ينقطع طوال عقدي الستينيات والسبعينيات ومن ابرز علاماته احتضان الكويت اعمال رائد المسرح العراقي الراحل حقي الشبلي وينسحب ذلك ايضا على حقبة الثمانينيات التي مثلت أهم وأعمق العطاءات الفنية للمخرج المسرحي الكويتي الكبير فؤاد الشطي خصوصا مسرحية (احذروا) التي عرضت في مهرجان بغداد المسرحي وفازت بالجائزة الكبرى للمهرجان عن جودة التمثيل والإخراج فكانت علامة مضيئة في المسرح الكويتي.
ومما لاشك فيه ان الحركة المسرحية في العراق تاثرت بالمسرح الكويتي لاسيما في المرحلة الانتقالية التي تحول فيها المسرح بالكويت من عمل ارتجالي إلى عمل يقوم على التأليف والابداع على يد المبدع الكبير صقر الرشود الذي كان له الاثر في ثبيت قيم النص المسرحي الواقعي واسقاطاته على الواقع الاجتماعي والسياسي في الكويت.
أما الفلكلور الكويتي المتشابه مع روحية أبناء البصرة فقد تربى عليه أبناء البصرة تربية مباشرة عن طريق الاعمال التي كان يبثها التلفزيون الكويتي والإذاعة الكويتية فقد كانتا النافذة التي يطل من خلالها الشارع البصري على العالم.
ومن ابرز نتاج هذه الحقبة فنيا فيلم (بس يا بحر) للمخرج خالد الصديق الذي عرض في المركز الثقافي في البصرة في منتصف السبعينيات والبرنامج التلفزيوني الكوميدي محكمة الفريج بفنانيه عبدالحسين عبدالرضا وخالد النفيسي وعبدالعزيز النمش وموسى الهزيم الى جانب مسرحية الكويت في القرن العشرين ومسرحية عشت وشفت ومسرحية حيلهم بينهم التي وجهت رسائل ودروسا اجتماعية في قوالب فنية للجمهور البصري على وجه التحديد.
ويستذكر الشاعر والكاتب المسرحي العراقي عبدالكريم العامري في حديث مماثل مع (كونا) تلك الحقبة الفنية المليئة بالتواصل الثقافي ويقول ” في أواخر الستينيات كنا لا نلتقط الا بث تلفزيون الكويت الذي كان منارة اوصلت الثقافة والفن الكويتي بتفريعاته المختلفة الى النطاق الاقليمي العربي”.
ويضيف العامري “كنا ننتظر بشغف بالغ بث تلفزيون الكويت حينما كان يبدأ الساعة السادسة صباحا حتى الساعة الثانية عشرة ليلا ففي تلك الفترة تعرفت على عمالقة الفن الكويتي الغنائي انذاك واعمالهم الغنائية ومن بين هؤلاء محمود الكويتي وعائشة المرطه وهي واحدة من أهم فنانات الوطن العربي انذاك”.
ويوضح انه تعرف على المسرح الكويتي في اثناء زيارته للكويت عام 1970 حيث التقى الدكتور حسن اليعقوب الذي يعتبر من مؤسسي المسرح العربي الكويتي بالاضافة الى رموز فنية من المسرح الكويتي مثل صقر الرشود وعبدالعزيز السريع وعبدالحسين عبدالرضا.
ويؤكد ان العلاقات الثقافية والفنية بين البلدين العراق والكويت هي علاقة وثيقة تتسم بالتعاون وتبادل الخبرات وتتخذ أشكالا مختلفة منها الرسمي وكذلك الشخصي في العلاقات بين الفنانين انفسهم.
وعن العلاقات الثقافية الرسمية يؤكد الموسيقار ناصر هاشم ان الإذاعة الكويتية سجلت للشاعر العراقي بدر شاكر السياب العديد من القصائد بصوته كما وثقت أغاني الفنان العراقي الراحل ناظم الغزالي توثيقا كاملا معربا عن تقديره للكويت لحفظها الاعمال الفنية والادبية العراقية.
ويستذكر الاحتفالات العراقية التي شارك بها فنانون ومطربون من الكويت في عقد الثمانينيات ومنهم الفنان عبدالله الرويشد وصالح الحريبي والفنانة العنود والحال نفسه مع مطربين عراقيين احيوا حفلات غنائية في الكويت في الفترة ذاتها ولاقت قبولا لدى الجمهور الكويتي.
ويضيف ان بين البلدين تاريخا حافلا من التبادل الثقافي والفني برغم انقطاعه في تسعينيات القرن الماضي لكنه عاد للتواصل مرة أخرى بعد عام 2003 اذ أخذت العلاقات الثقافية بين البلدين تنشط من جديد بعد قطيعة دامت أكثر من 10 سنوات.
ويشير بذلك الى اعمال فنية تطرقت الى اعادة العلاقات الاخوية بين الكويت والعراق ومنها مسرحية (ذوبان الجليد) للمخرج سليمان البسام وشارك فيها عدد من الممثلين العراقيين الى جانب تنظيم حفلات غنائية ومهرجانات ثقافية عراقية في الكويت

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*