الرئيسية / محليات / قد يغضب واشنطن.. لماذا خفضت بعض دول “أوبك” إنتاجها من النفط؟

قد يغضب واشنطن.. لماذا خفضت بعض دول “أوبك” إنتاجها من النفط؟

في خطوة مفاجئة، وبعد نحو أسبوعين من حديث وزير الطاقة عن رفض أي خطوات غربية لتسقيف أسعار النفط السعودي على غرار ما حدث مع روسيا، قرر بعض أعضاء تحالف “أوبك +” خفضاً طوعياً جديداً للإنتاج بمقدار مليون و649 ألف برميل بدءاً من مايو المقبل.

وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، قال منتصف مارس 2023، إن المملكة لن تبيع نفطها لأي بلد يضع سقفاً لسعره، وأكد أن الرياض ستلتزم بقرار “أوبك +” خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً حتى نهاية العام.

ومع مواصلة أسعار النفط التراجع للشهر الخامس على التوالي إلى أقل من 80 دولاراً للبرميل (31 مارس 2023)، أعلنت السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وسلطنة عُمان (2 أبريل 2023) خفضاً جديداً طوعياً بواقع 1.649 مليون برميل يومياً بداية من مايو المقبل حتى نهاية 2023.

استحوذت السعودية وروسيا على الحصة الأكبر من الخفض الجديد بواقع 500 ألف برميل يومياً لكل منهما، وهو خفض يضاف إلى 500 ألف برميل خفضتها موسكو طوعاً بدءاً من مارس 2023؛ لمواجهة العقوبات الغربية على إمداداتها من الخام.

ومنذ بدء أزمة النفط التي تمخضت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا قبل عام، لم يتوقف السجال بين الولايات المتحدة و”أوبك +”، خصوصاً السعودية (أكبر منتج للنفط في العالم)، حيث تقول الأولى إن قرارات التحالف تدعم روسيا في حربها على أوكرانيا، بينما تقول الرياض إن القرارات كلها تهدف إلى ضبط الأسواق.

تراجع كبير للأسعار

تراجعت أسعار النفط خلال مارس الماضي، صوب 70 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى في 15 شهراً، وسط مخاوف من أن تضر الأزمة المصرفية العالمية بالطلب.

ومع ذلك، لم يكن متوقعاً اتخاذ مزيد من الإجراءات من قبل “أوبك+” لدعم السوق بعد أن قللت المصادر من هذا الاحتمال وتعافى النفط الخام نحو 80 دولاراً بنهاية الشهر.

وقال رئيس شركة الاستثمار “بيكرينغ إنرجي بارتنرز”، يوم الأحد 2 أبريل 2023، لوكالة “رويترز”، إن التخفيضات الأخيرة قد ترفع أسعار النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل.

وسيرفع الخفض الجديد إجمالي حجم التخفيضات من قبل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا وحلفاء آخرين إلى 3.66 ملايين برميل يومياً، تعادل 3.7% من الطلب العالمي.

وتعليقاً على الخفض الجديد أيضاً، قالت أمريتا سين، مؤسسة ومديرة “إنرجي أسبكتس”، لـ”رويترز”: إن “أوبك تتخذ خطوات استباقية في حالة حدوث أي خفض محتمل للطلب”.

رد فعل أمريكي هادئ

في أكتوبر من العام الماضي، عندما قرر التحالف الذي تقود السعودية وروسيا والإمارات خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، ثار غضب الأمريكيون ولوّح الرئيس جو بايدن وكبار مسؤولي إدارته بإجراءات عقابية رداً على القرار الذي صعد بأسعار الخام.

كانت وجهة النظر الأمريكية آنذاك أن العالم بحاجة لأسعار أقل لدعم النمو الاقتصادي ومنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من كسب مزيد من الإيرادات لتمويل حرب أوكرانيا.

ووصل الأمر إلى تصريح بايدن بأن السعودية تحديداً تعكس من خلال هذه القرارات دعمها للحرب الروسية على أوكرانيا، وهو ما رفضته الرياض واعتبرته تسييساً لقرارات اقتصادية صرفة من أجل أهداف انتخابية داخلية.

في النهاية، لم تتخذ الولايات المتحدة إجراءات مضادة، في حين جاء ردها الأوّلي على الخفض الجديد هادئاً وسياسياً إلى حد كبير.

فبعد ساعات من إعلان القرار، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي: إن إدارة بايدن “ستواصل العمل مع جميع المنتجين والمستهلكين، لضمان أن تدعم سوق النفط النمو الاقتصادي وانخفاض الأسعار للمستهلكين الأمريكيين”.

وأضاف: “إدارة بايدن تركز على الأسعار للمستهلكين الأمريكيين”، حيث زادت أسعار البنزين في الولايات المتحدة بعد الحرب الروسية الأوكرانية بشكل مطرد، وبلغ سعر الغالون رقماً قياسياً (خلال يونيو 2022) عندما وصل إلى 5 دولارات للغالون (الغالون يساوي 3.78 لترات).

وكانت هذه المرة هي الأولى في تاريخ أمريكا التي يصل فيها متوسط سعر الوقود إلى هذا الحد، وهو ما مثّل تحدياً كبيراً لإدارة بايدن التي كانت على وشك انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، والتي تمكن فيها الجمهوريون لاحقاً من السيطرة على مجلس النواب.

لكن الدول المنتجة للنفط، ورغم المواقف الأمريكية المتشددة الراغبة في ضخ مزيد من الخام لخفض الأسعار، تقول إنها معنية بالحفاظ على توازن السوق العالمية من أجل مصالحها ومصالح العالم ككل.

وقال مصدر في “أوبك +” لـ”رويترز”، إن الجابون ستقطع طوعاً 8 آلاف برميل يومياً، ولم ينضم جميع أعضاء التحالف إلى الخطوة، لأن البعض يضخ بالفعل أقل بكثير من المستويات المتفق عليها، بسبب نقص الطاقة الإنتاجية.

وفي الإمارات، نقلت وكالة الأنباء الرسمية (وام)، عن وزير الطاقة سهيل المزروعي، أن هذه المبادرة التطوعية إجراء احترازي تم اتخاذه لضمان توازن السوق.

رد فعل وتحالف قوي

خلال الفترة التي تلت الخفض السابق، قال مسؤولون أمريكيون إن التحالف بين روسيا وبقية منتجي النفط الكبار يتراجع، لكن قرار اليوم يشي بأن التحالف ما يزال قوياً.

على الرغم من ذلك، وفي محاولة لتأكيد عدم تسييس القرار، قالت وزارة الطاقة السعودية في بيان، إن الخفض الطوعي للمملكة “إجراء احترازي يهدف إلى دعم استقرار سوق النفط”.

ما يزال النفط ورقة شد وجذب في الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة وروسيا والدول التي تريد النأي بالنفط عن المعارك السياسية والعسكرية الدائرة شرقي أوروبا، من جهة أخرى.

ووفقاً لما نشرته وكالة “بلومبيرغ” (السبت 1 أبريل 2023)، فقد تراجعت أسعار الخام بنهاية مارس الماضي، بسبب تدهور المعنويات الاقتصادية في الولايات المتحدة، والأزمة المصرفية التي هزت الأسواق بوجه عام.

كما أن انتعاش الخام خلال الربع الأول من العام الجاري، جاء أقل مما كان متوقعاً بعد إنهاء الصين سياسة “صفر كوفيد” التي كان كثيرون يعتبرونها بداية لزيادة الطلب.

وأصدرت البنوك الكبرى ومتابعو القطاع توقعات أسعار صعودية للفترة المتبقية من العام، لكنه كان أقل من المتوقع في العموم، حيث أكد كبار المنتجين سابقاً أنهم يرون أن 100 دولار هي السعر المناسب عالمياً للبرميل.

مخاوف الركود

الخبير النفطي الكويتي المهندس فراس السالم، قال إن هذه التخفيضات جاءت مدفوعة بمخاوف من ركود اقتصادي ربما يضرب الاقتصاد العالمي مع تزايد الانهيارات بالقطاع المالي الأمريكي والأوروبي.

وفي تصريح لـ”الخليج أونلاين”، قال السالم إن مواصلة رفع أسعار الفائدة من جانب البنك الفيدرالي الأمريكي يضع عديداً من الشركات الصناعية العالمية أمام مصاعب تمويلية أجبرتها على تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، مضيفاً: “هذا الأمر يضغط على قدرة هذه الشركات الإنتاجية، ومن ثم على التصنيع بشكل عام”، أي الطلب على النفط.

وخلص السالم إلى أن الخفض الجديد لن يصل بالأسعار إلى أكثر من 95 دولاراً للبرميل، بسبب التحفظ المسيطر على عالم الاقتصاد، لكنه يعتبر رداً من المنتجين على توسع الولايات المتحدة في استيراد النفط الفنزويلي والكندي الذي يعزز حالة “عدم اليقين” في السوق بصفة عامة.

ولفت إلى أن “الولايات المتحدة أقرت قرارات تحفز إنتاج النفط والغاز من خلال الكونغرس، تقلل من الالتزام بالضوابط البيئية والانبعاثات الكربونية؛ مما سيؤدي إلى ازدياد الصادرات النفطية لها، ومن ثم منافسة الدول الأعضاء بمنظمة أوبك”.

 

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*