الرئيسية / عربي وعالمي / هكذا ستصبح عناوين الأخبار في أميركا من الآن فصاعداً

هكذا ستصبح عناوين الأخبار في أميركا من الآن فصاعداً

“الملايين يخسرون تأمينهم الصحي”.

“العمال غير المسجلين يواجهون خطر الترحيل خارج البلاد”.

“تراجع في مسار خفض انبعاثات الغازات الدفيئة”.

“عودة المحافظين إلى تزعّم الأغلبية في المحكمة العليا والنية الآن توسيع نطاق نفوذهم”.

“ازدياد العجز الاقتصادي وخفض الإنفاق على البرامج التي تعيل الفقراء والطبقة المتوسطة”.

هذه هي العناوين التي ستشهدها أميركا من الآن فصاعداً على مدى السنوات الـ4 التالية غداة إعلان دونالد ترامب، رسمياً، الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأميركية، وفق النسخة الأميركية من هافينغتون بوست.

كانت لديه أفكار حول طريقته

لم تكن حملة ترامب الانتخابية مدعّمة بالأدلة والإثباتات في خطابها، فقد تحدث ترامب بين الفينة والأخرى عن السياسة، لكن من دون الغوص في التفاصيل، كما أنه دخل عدة مرات في إشكالات تناقضية، ما خلق انطباعاً فحواه أنه لا فكرة لديه عما سيفعله وأنه سيتصرف دون هدىْ كيفما اتفق.

كذلك، خاض ترامب مشاحنات مع قادة جمهوريين في الكونغرس؛ أولهم متحدث المجلس بول رايان، كما تبنى مواقف رئيسية -خاصة في ميدان التجارة- وضعته في مواجهة تصادمية مع تيار الحزب وتوجهاته التقليدية. من ثم، تكوّن انطباع بأنه لن يقدر على القيادة والإدارة؛ لأنه لن يتمكن من كسب تعاون الكونغرس معه.

ولكن، مثل كل الاستطلاعات التي تنبأت بفوز هيلاري، فإن هذه النظرة إلى ترامب تشوبها علّة. فالحقيقة أن ترامب لطالما كانت لديه أفكار -ولو مبدئية- حول طريقته التي سيسلكها في إعادة تشكيل وصياغة السياسة العامة.

إدارة البلاد أصعب من ادارة الانتخابات

بالنسبة لكل تلك الجلبة والضجة العاصفة التي أثارها بتحديه للمؤسسة الإدارية، ننوه فقط بأن ترامب وجمهوريي الكونغرس يتفقون في الكثير من الأفكار والمعتقدات.

من الصعوبة بمكان حالياً التنبؤ بشأن كيف ستسير فترة ترامب الرئاسية؛ إذ إن أياً من الحزبين لم يتأهب حقاً لهذا الأمر إن فرض نفسه على الواقع، كما أن ثمة عدة علامات استفهام مجهولة كبرى مثل: تُرى هل يقدم الديمقراطيون على عرقلة وتعويق الجمهوريين ويقفون حجر عثرة أمام كل مقترح قانون يودون سنّه؟ وتُرى هل يرد الجمهوريون عليهم بتغيير قوانين مجلس الشيوخ؟ شتان ما بين إدارة البلاد وإدارة الحملات الانتخابية، فالأولى أصعب وأشق، وستستلزم من ترامب وجمهوريي الكونغرس معه (إلى حد ما) مواجهة تسويات وتنازلات لم يواجهوها من قبل.

ولكن حتى لو سلمنا بكل هذا، فليس من الصعب تخيل أن يتعاون ترامب ويتضافر مع الكونغرس الجمهوري لإعادة صياغة وتأليف أجزاء كبيرة من القانون الفيدرالي.

أوضح نقاط الإجماع؛ هي: الرعاية الصحية الميسرة المسماة “أوباما كير”، حيث يهدف ترامب والجمهوريون، بكل صراحة، إلى إيقاف وتغيير هذا البرنامج والقانون الصحي الذي سنّه وصنعه أوباما بنفسه، حتى إنه في الأسبوعين الأخيرين فقط صرّح ترامب بأنه يعتزم إيلاء التخلص من هذا البرنامج الأولوية في حال انتخب.

أما عن شِق “التغيير” في موضوع “أوباما كير”، فيظل ضبابياً غير واضح المعالم، ومحالٌ القول على وجه الدقة ما يعنيه وكيف سيكون. فحتى الآن، لم تجرِ سوى محاولة إيقاف واحدة لهذا القانون على يد حاكمٍ جمهوريٍ جديد لولاية كنتاكي، قرر التراجع عن وعدٍ قطعه بإيقاف توسعة برنامج الرعاية الصحي Medicaid الذي هو أحد أهم مكونات برنامج “أوباما كير”. ما سبب تراجعه؟ هو أن وقف توسع البرنامج سيفضي إلى حرمان مئات الآلاف من الناس من التأمين الصحي.

ولكن، أياً كان القرار الذي سيتخذه ترامب والجمهوريون بهذا الخصوص، سواء كان عدم توقيف البرنامج بالكامل أو كان تغييره واستبداله ببديل معقول آخر، فإن النتيجة النهائية على الأرجح سيان: خفض كبير لأعداد من لديهم تأمين صحي أو خفض كبير للإنفاق الطبي والحماية المالية؛ ذلك لأن فكرة خطة الحزب الجمهوري قوامها بالأساس خفض حماية المستهلك والإنفاق الحكومي.

يعني بشكلٍ أو بآخر أننا مقبلون على نقض غزلنا الذي غزلناه طيلة السنوات الأخيرة أنكاثاً والتقهقر من بعد التقدم الذي قطعنا فيه أشواطاً لكي يرجع نظام الرعاية الصحية إلى ما كان عليه قبل الإصلاح، أي ستتاح أمام من هم في صحة جيدة سياسات أرخص وأكثر هزالاً، فيما تقل عموماً أعداد من لديهم تأمين وتزداد الفواتير الباهظة التكلفة على كاهل المرضى ذوي الحالات العويصة الجدية.

كذلك، هنالك نقطة إجماع أخرى يتفق فيها ترامب مع الجمهوريين عموماً، ألا وهي الضرائب. لعل ترامب قدم نفسه على أنه الخطر الذي سيحيق بالمؤسسة الحاكمة ويهددها، وأنه بطل المواطن العادي والطبقة الكادحة، ولكن الحق أنه عندما نتطرق إلى موضوع السياسة الاقتصادية يتضح أمامنا جلياً أنه ليس إلا جمهورياً أقل من عادي، يؤمن بسياسات تعود بالنفع على التجارة والشركات والأغنياء فيما لا تعود على البقية بأي نفع أو جدوى تذكر.

خفض الضريبة العقارية

وبهذا، دعا كلٌ من ترامب وحلفائه الجمهوريين إلى خفض الضريبة العقارية أو التخلص منها، وإلى خفض مستويات ضريبة الدخل، وإلى منح الشركات التجارية متنفساً ضريبياً. وفي دراسات تحليلية لهذه الخطط الضريبية أجرتها مؤسسات مستقلة كمركز سياسة الضريبة المدنية بروكينغز Brookings Urban Tax Policy Center، وُجِد أن المنافع تسير كلها بشكل جائر غير متناسب نحو الطبقة الغنية.

لكن هذه البيانات والجداول لا تعبر بشكل صحيح عن أثر خفض الضرائب هذا؛ بل إنها مجحفة في التقليل من شأنه في تغيير موارد الدولة؛ لأن خفض الضرائب معناه في نهاية المطاف حرمان الحكومة الفيدرالية من عائدات قيمتها تريليونات الدولارات، ما يخلق عجزاً لا شك في أنه سيفضي إلى خفض الإنفاق على برامج يعتمد عليها الفقراء ومتوسطو الحال، ونحن هنا نتحدث عن طيف واسع جداً من البرامج؛ بدءاً من طوابع الغذاء وحتى برنامج الرعاية الصحية Medicare.

لكن ثمة أيضاً مواضيع ومجالات يختلف فيها ترامب مع رفاق حزبه الجمهوريين؛ إما لأنه اتخذ منها موقفاً مختلفاً مغايراً لموقفهم، وإما لأنه سيغير رأيه بشأنها بعد حين. بالفعل، لقد اتسم ترامب بالغموض وعدم الترابط في قضايا كثيرة؛ منها قضية الحد الأدنى للأجور، وهي القضية التي يتفق معظم الجمهوريين فيها على معارضة أي زيادة في الحد الأدنى.

لكن تلك الخلافات ستكون على الأرجح الاستثناء لا القاعدة في مجال السياسة المحلية على الأقل. وأما في مجال القضايا التي لا يستطيع ترامب ثني الكونغرس نزولاً عند رغبته فيها، فسيظل هو صاحب السلطة التنفيذية يقلبها في يده كيف يشاء.

العدول عن قرارات أوباما

هذا معناه على الأرجح العدول عن كل قوانين أوباما الجديدة؛ بدءاً من انبعاثات معامل ومحطات توليد الطاقة وحتى النشاطات البنكية، مع الفشل في فرض وتطبيق القوانين المنصوصة في الدستور. كذلك، قد يجري ترامب تعديلات واسعة على قوانين الهجرة وتطبيقها، تماماً مثل أوباما.

وحتى لو لم يفِ ترامب بوعوده كافة التي وعد بها في حملته، فالمتوقع منه زيادة ترحيل المقيمين غير المسجلين هنا والحد من الحماية المؤقتة التي كان أوباما قد منحهم إياها.

أخيراً وليس آخراً، لا بد لنا من تذكر أن كلاً من ترامب والجمهوريين قد تبنّى برامج وأجندات راديكالية في إدارة البلاد وطريقة حكمها، إلا أن المطاف قد ينتهي بتحقيقهم النزر اليسير من هذه الأجندة، ومع ذلك لن يؤدي هذا إلا إلى مزيد من التغير الجذري في بنية السياسة وأرضيتها.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*