الأمطار غمرت النصف الجنوبي من فلوريدا، وأصبحت القوارب أداة للتنقل بين الأحياء في ميامي وفورت لودرديل، واندمجت البحيرات بالشوارع  حتى بات من الصعب التعرف على الطريق، مما أدى إلى غرق العديد من السيارات ولقي عدد من الأشخاص مصرعهم.

ولا تزال فلوريدا تعيش تداعيات العاصفة الاستوائية، كما لا تزال أكياس الرمال التي سلمتها السلطات للسكان في مكانها تحمي المنازل المتضررة، بعد إعلان حالة الطوارئ القصوى.

رقم قياسي جديد لـ2020

تلك العاصفة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في الولاية التي تشهد موسم أعاصير يمتد من مطلع الصيف وحتى نهاية الخريف. هي العاصفة رقم 28 في موسم الأعاصير الأطلسية لهذا العام، مما يعني أن العام 2020 قد حطم الرقم القياسي الذي سجله عام  2005 لأكثر عدد من العواصف في حوض المحيط الأطلسي.

“إيتا” جاءت بعد أقل من أسبوعين على حريق “سيلفرادو” في ولاية كاليفورنيا الذي التهم ما يزيد عن 700 ألف هكتار من الغابات في كاليفورنيا وتسبب بإجلاء أكثر من 100 ألف شخص.

كما جاءت بعد أقل من أسبوع على انتخاب جو بايدن الرئيس الـ46 للولايات المتحدة، وهو الذي لم يفز بولاية فلوريدا، ولو أنه أعلن أكثر من مرة أن تغير المناخ من أولى أولوياته عند دخوله البيت الأبيض.

صورة من إعصار "إيتا"
صورة من إعصار “إيتا”

فلوريدا المهددة بالزوال

تعتبر فلوريدا من بقاع الأرض المهددة بوجودها بسبب الاحتباس الحراري. وهي المهددة بالزوال إذا ما ارتفع معدل المياه فيها، فزيادة مستوى سطح البحر وهبوط الأرض يؤدي وبحسب تقارير مناخية عدة إلى زيادة مخاطر الفيضانات.

وتظهر القياسات أن معدل هبوط الأرض في فلوريدا يختلف من مكان إلى آخر ولكنه أقل بشكل عام من 0.5 ملم. علماً أن متوسط ​​المعدل العالمي لارتفاع مستوى سطح البحر حوالي 1.7 ملم، أي أكثر  بثلاثة أضعاف معدل هبوط الأرض في ولاية فلوريدا.

وكانت صحف عدة هنا منها “ميامي هيرالد” و”بالم بيتش بوست”، سبق أن دقت ناقوس الخطر ونشرت تقارير عدة تؤكد أن الاحتباس الحراري يشكل تهديدا وجوديا لولاية الشمس.

وتناولت هذه الصحف تقريرا موحدا بعنوان غزو البحر Invading Sea. وورد في التقرير: “في القرن الماضي، ارتفع مستوى منسوب مياه البحر بمعدل 23 سنتيمتراً في منطقة كي ويست جنوب الولاية.

وخلال السنوات الـ23 الماضية، ارتفع 8 سنتيمترات أخرى، مع ارتفاع متوسط ​​درجة الحرارة العالمية، من المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر أكثر من قدم واحدة أي 31 سنتيمترا بحلول عام 2045، مما سيضع خمس مساحة ميامي تحت الماء عند ارتفاع المد.

وبحلول العام 2060 من المتوقع أن يرتفع مستوى البحر 61 سنتيمتراً دون أي تباطؤ”.

وهذا يعني أن مقاطعات جنوب فلوريدا ستصبح مغمورة بالماء بعد أقل من خمسين عاما، علماً أنه عندما كان مستوى سطح البحر في أدنى مستوياته، كانت مساحة فلوريدا أكبر بكثير مما هي عليه الآن.

هكذا حذرت الصحف التي قرعت طبول التغير المناخي والآن تعود الصحف نفسها لتؤكد أن ما أحدثته عاصفة “إيتا” لم تشهده فلوريدا لعقود خلت وأنه بالطبع نتيجة لهذا التغير المناخي وأنذرت مجدداً من خطورة هذه المسألة.

بايدن وخطته المناخية

الرئيس المنتخب جو بايدن كان كرر في حملته الانتخابية أنه سيولي تغير المناخ أهمية قصوى، وأكد أن الاحتباس الحراري يشكل تهديدا وجوديا للعالم، وأن خطته المناخية التي تقدر تكلفتها بـ2 تريليون دولار أميركي، ستقوم على تنفيذ عدد من الخطوات من بينها التأكد من الوصول إلى صافي انبعاثات حرارية صفرية بحلول العام 2050، والتخلص التدريجي من الانبعاثات من قطاع الكهرباء بحلول عام 2035.

علماء وخبراء المناخ متحمسون بشأن الاحتمالات التي تعرضها خطة المناخ التي وضعها الرئيس المنتخب.

ويقول روبنسون ماير، الخبير في التغير المناخي والكاتب في صحيفة ذا أتلانتيك “the Atlantic”، إن انتخاب بايدن هو  أفضل خبر للمناخ منذ نصف عقد، “وهذا  ليس رأي سياسي بل حقيقة بديهية.

فقد أدت سياسات الرئيس دونالد ترامب إلى تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري. قام مسؤولوه بمحاصرة خبراء المناخ في كل مناسبة، وبدا هو شخصيا وكأنه يستمتع في دفع التغير المناخي للأسوء، فقد طرد رئيس برنامج أبحاث علوم المناخ الفيدرالي قبل أيام”.

العلماء متحمسون لخطة بايدن بشأن المناخ
العلماء متحمسون لخطة بايدن بشأن المناخ

وحدد الرئيس المنتخب تغير المناخ باعتباره إحدى الأزمات الأربع الكبرى التي تواجهها أميركا. وقال إن إزالة التلوث الكربوني يجب أن يكون محوريًا لكيفية تعافي البلاد من الركود الاقتصادي الذي أحدثه فيروس كورونا.

وأكد أن الاحتباس الحراري “يشكل تهديدًا وجوديًا” وأن انتخابه “فرصة لا تتكرر إلا مرة في كل قرن لبث حياة جديدة في اقتصادنا، وتعزيز قيادتنا العالمية، وحماية كوكبنا للأجيال القادمة”.

روبنسون ماير اعتبر أن العديد من مقترحات بايدن المتعلقة بالمناخ، مثل حزمة التعافي البالغة قيمتها 2 تريليون دولار، ستكون مجدية سياسيا فقط مع مجلس شيوخ ديمقراطي.

ويقول “إذا شكل الديمقراطيون أكثرية في مجلس الشيوخ، فإن لدى بايدن أفضل فرصة لمحاربة تغير المناخ”.

أما كارا هورويتز، وهي مديرة في معهد  (إيميت) لتغير المناخ والبيئة بجامعة كاليفورنيا، فقالت إن “الاقتراح الذي طرحه بايدن رائد بالفعل. إذ ستكون لديه خطة مناخية طموحة أكثر من أي رئيس سابق للولايات المتحدة”.

وتعتبر أن الخطوة الأولى التي يجب على الرئيس المنتخب أن يقوم بها هي الانضمام مجددا إلى اتفاقية باريس للمناخ، التي غادرتها الولايات المتحدة بطلب من ترامب رسميا هذا الشهر. وهي خطوة مهمة وبديهية”.

وتضيف: “كما يمكنه أيضا العمل على إعادة إحياء أكثر من 100 أمر من الأوامر التنفيذية المتعلقة بالبيئة والتي تراجع عنها ترامب” .

وأملت هورويتز في أن ينظر الرئيس الجديد خلال الأسابيع القليلة التي تسبق توليه للمنصب “لنموذج الخطة المناخية العادلة والطموحة التي تضعها ولاية كاليفورنيا وربما بعد ذلك يمكنه تعميمها على الولايات المتحدة كافة”.

دانيال سبيرزلنغ، المدير المؤسس لمعهد دراسات النقل في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، ذكر أن “خطة بايدن المناخية ستشكل مسارا تحويليا في البيئة، وستعيد إحياء الكثير من المفاهيم التي كنا نسير على أساسها قبل أن يتسلم ترامب الإدارة”.

ولا نعرف الكثير حتى الآن عن أولويات بايدن وأهدافه الأساسية ولو أنه عرض العديد منها خلال حملته الانتخابية والتي قد تبقى حبرا على ورق أو قد تتحول إلى واقع ملموس، لكن الرئيس المنتخب أكد في أكثر من مناسبة أنه سيضع حماية الكوكب لأجيال قادمة هدفا أساسيا في السياسة الأميركية.