الرئيسية / اقتصاد / الذهب.. بطل الأزمات وملاذ الخائفين

الذهب.. بطل الأزمات وملاذ الخائفين

«الفدرالي لا يستطيع طباعة الذهب».. هذا هو عنوان التقرير البحثي الصادر عن بنك أوف أميركا قبل عدة أسابيع، والذي توقع خلاله محللو البنك وصول سعر الذهب إلى أعلى ثلاثة آلاف دولار بحلول نهاية العام القادم، ليسجل بذلك ارتفاعًا يقترب من %77 مقارنة مع سعره في بداية يونيو الجاري. في هذا التقرير البحثي حاول محللو البنك الإجابة على السؤال الذي يشغل بال أكثر المستثمرين بسوق الأوراق المالية هذه الأيام وهو: هل ستستمر مسيرة المعدن النفيس الذي لا يفصله حاليًا عن أعلى مستوى له في تاريخه سوى 200 دولار تقريبًا، التي بدأت في منتصف 2019 وساهمت في ارتفاعه بنحو %28 منذ ذلك الحين؟ وتكمن أهمية هذا السؤال بشكل أساسي في توقيته، حيث إنه يأتي في ظروف استثنائية لم يعش العالم مثلها من قبل. فبسبب فيروس كورونا المستجد الذي يبلغ قطره حوالي 80 نانومترا، أي أقل من شعرة الإنسان بحوالي ألف مرة أصبح سكان العالم بأسره محاصرين في بيوتهم خوفًا على أنفسهم منه، ما عرض النشاط الاقتصادي لحالة من الشلل تسببت في إرباك حسابات المستثمرين، خصوصًا أولئك الذين ينشطون منهم في سوق الأسهم. في حيثيات التقرير أشار محللو بنك أوف أميركا إلى الانكماش الحاد للنواتج المحلية الإجمالية ومعدلات الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة وأوروبا، التي توقعوا استمرارها لفترة طويلة جدًا والحوافز المالية والنقدية الهائلة التي تضاعف ميزانيات البنوك المركزية، وفي مقدمتها الفدرالي الأميركي باعتبارها أهم العوامل التي ستقود المستثمرين خلال الأشهر الثمانية عشرة القادمة نحو الذهب. لنفس الأسباب تقريبًا احتل الذهب موقع الصدارة في المشهد الاستثماري خلال الأشهر الأخيرة، وذلك في ظل تسابق المستثمرين الذين أربكتهم التطورات الأخيرة على حيازة الأصول الآمنة، وفي مقدمتها المعدن النفيس. وفي حين ينظر إلى المعدن الأصفر باعتباره أحد أشكال التحوط ضد التقلبات قصيرة الأجل، يفضل كثير من المستثمرين الاحتفاظ به على المدى الطويل ضمن محفظة متنوعة، نظرًا لخصائصه التي تؤهله للحفاظ على رأس المال وتنميته في الوقت ذاته. لماذا يستثمر الناس في الذهب؟ ربما لا تزال أسباب الاستثمار في الذهب هي هي على مر التاريخ. فالناس يتعاملون معه كمخزن طويل الأمد للقيمة، وكملاذ آمن يهرعون إليه أوقات الأزمات، وكأحد أكثر الأصول المتاحة سيولة، وكجزء من خطة تنويع الأصول داخل المحافظ الاستثمارية. يعمل الذهب كمخزن موثوق به للقيمة لأنه يؤدي تقريبًا نفس وظائف المال، فهو قابل للنقل والتجزئة، كما أنه غير قابل للتلف ونادر نسبيًا ولا يمكن تصنيعه أو خلقه من العدم، وفي نفس الوقت يمكن التعرف عليه بسهولة، ومقبول كوسيلة دفع. تمر الأيام والسنون ويصعد الاقتصاد ويهبط وتتبدل أحوال الناس ويبقى الذهب محافظًا على قيمته. وهذا هو السبب في أنه غالبًا ما يجري شراؤه كتحوط ضد التضخم وتقلبات أسعار الصرف. فكثير من المستثمرين حول العالم ينظرون إلى الذهب باعتباره الأصل المطلق. ويعرف المعدن الأصفر أيضًا بأنه أحد أهم الملاذات الآمنة التي يثق فيها الناس أكثر من أي أصل آخر، حتى العملات نفسها والتي لا تستمد قيمتها من نفسها، بل من كونها تمثل وعدًا من الحكومة المصدرة لها بالسداد، وذلك على عكس الذهب الذي يمثل بذاته قيمة، ولا يتأثر بشكل مباشر بالسياسات الاقتصادية لأي بلد، فهو أصل عالمي لا يمكن التنصل منه أو تجميده كما في حالة الأصول الورقية. لهذه الأسباب تحرص الكثير من الحكومات والبنوك المركزية والمؤسسات الرسمية حول العالم على الاحتفاظ بكميات معتبرة من المعدن الأصفر كجزء من احتياطياتها النقدية. هذه الجهات تدرك أكثر من غيرها أنه لا يوجد ما هو أكثر موثوقية من الذهب كملاذ آمن وكمخزن للقيمة على المدى الطويل، بل هو ربما أكثر موثوقية من الملاذات الآمنة الأخرى مثل الدولار الأميركي والفرنك السويسري. سيولة أكبر ومخاطر أقل أيضًا، من بين أسباب الجاذبية الاستثمارية للذهب، هو كونه أحد أكثر الأصول سيولة في العالم. ففي أي وقت وفي أي مكان بالعالم وفي غضون عدة دقائق يمكنك بيع الذهب والحصول على قيمته فورًا، وهذه ميزة تفتقر إليها أكثر الأدوات الاستثمارية، بما في ذلك أسهم أكبر الشركات في العالم، والتي رغم كونها تعد من الأصول السائلة فإن درجة سيولتها لا تقارن بحال مع سيولة المعدن النفيس. وأخيرًا، يمكن للذهب أن يلعب دورًا في استراتيجية التنويع بمحفظة المستثمر، مهما كان مستوى المخاطر الذي يفضل التعرض له. وفي هذا الإطار، ينصح الكثير من الخبراء المستثمرين بإدراج الذهب كجزء ضمن الأصول التي يحتفظون بها في محافظهم، وذلك بغرض حماية المحفظة من آثار التقلبات، وفي نفس الوقت الاستفادة من ارتفاع سعر المعدن الأصفر. Volume 0%   تكمن أهمية الذهب كجزء من استراتيجية التنويع بالمحفظة في ارتباطه الضعيف والعكسي في بعض الأحيان مع أسعار الأسهم والسندات. فالقوى الاقتصادية التي تحدد سعر الذهب تختلف عن تلك التي تلعب دورًا في تحديد أسعار معظم الأصول المالية، بل قد يتعارض الاثنان معًا في بعض الأحيان. الذهب هو الأصل الوحيد الذي يرتبط بشكل سلبي مع فئات الأصول الأخرى كالأسهم والسندات والدولار، ولذلك غالبًا ما يتحرك سعره بشكل عام في الاتجاه المعاكس لأسعار الأصول الأخرى، وهكذا يتمكن من وزن الكفة ومعادلة تأثير خسائر تلك الأصول حين تسوء أحوالها في السوق. في الأسابيع الأخيرة، أبدى مجلس الاحتياطي الفدرالي استعداده لضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الأميركي بغرض إنقاذه من التداعيات العنيفة لأزمة كورونا. وبالتوازي، سارع المستثمرون الذين يخشون من أن تتسبب هذه التريليونات في خروج معدل التضخم عن نطاق السيطرة إلى حيازة الذهب، وهو ما ساهم في ارتفاع سعره مؤخرًا إلى أعلى مستوى له منذ سبع سنوات. وعلى الأرجح سيستمر الذهب في الارتفاع في البيئة الحالية، وذلك لأن الناس تدرك حقيقية بسيطة جدًا وهي أن الفدرالي يمكنه طباعة المزيد من الدولارات، ولكنه لا يستطيع بأي حال طباعة الذهب. (فايننشيال تايمز، بلومبرغ، ماركت ووتش، سي إن بي سي، رويترز، أرقام)

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*