الرئيسية / عربي وعالمي / تغيير العملة المصرية بين آمال الصعود ومخاوف “كارثة اقتصادية”

تغيير العملة المصرية بين آمال الصعود ومخاوف “كارثة اقتصادية”

يعيش المجتمع المصري خطوة اقتصادية جديدة مثيرة للجدل، بعد أن كشفت الحكومة مؤخراً عزمها تغيير شكل العملة المحلية لجلب المدخرات الموجودة خارج المصارف، وهو القرار الذي اختلف بشأنه المحللون بين من يراه داعماً للاقتصاد الوطني ومن يراه قاصماً له.

وكان مستشار وزير المالية، عبد المنعم مطر، كشف الجمعة 13 مايو/ أيار 2017، عن دراسة تجريها الوزارة بالتعاون مع مجلس النواب بشأن تغيير العملة المحلية، قائلاً إن القرار “سيصدر بعد دراسته بشكل جيد لتدارك سلبياته”.

وتعكف الوزارة حالياً على دراسة القرار بمعاونة البنك المركزي ممثلاً لبقية المصارف العاملة في مصر، بالنظر لصعوبة اتخاذ القرار، بحسب مطر.

المسؤول المصري أشار إلى أن تغيير العملة “سيسهم بمعرفة حجم الأموال المدخرة في البلاد، كما أنه سيكون بمثابة حل جديد يسهم بحل الأزمة الاقتصادية في مصر”، مضيفاً أن “ثقافة المصريين” هي العامل الرئيس في نجاح القرار لحل الأزمة.

-فوارق

وثمّة فارق جذري بين تغيير “شكل وتصميم” العملة، وبين تغيير العملة نفسها أو إصدار عملة جديدة بقيمة جديدة، بحسب الخبير الاقتصادي عبد المنعم عبد المطلب.

عبد المطلب أوضح في حديث لـ”الخليج أونلاين”، أن إصدار تصميم جديد للعملة مع الإبقاء على قيمتها القديمة لن يؤثر مطلقاً على السياسات النقدية وحجم السيولة في السوق؛ إذ إن قيمة الجنيه الواحد ستظل كما هي الآن (100 قرش/ 1000 مليم).

هذا الإجراء، برأي الخبير المصري، قد تلجأ إليه الدول إذا تعرضت عملتها للتزييف، أو أصبحت قابلة له، أو عندما لم تعد عناصر الأمان بها مواكبة للتطور التكنولوجي المتسارع؛ فعلى سبيل المثال “كانت الحكومة المصرية دائماً تقدم أوراق النقد الجديد فى حجم كبير نسبياً، ثم تحاول بعد ذلك تقليل حجم الورقة ليكون مناسباً وأكثر جمالاً. ومن ذلك وجود ورقة من فئة الـ200 جنيه ذات حجم كبير نسبياً عن الورقة المتعارف عليها”، بحسب قوله.

مثال آخر يضربه عبد المطلب في هذا الصدد ألا وهو تغيير تصميم الدولار الأمريكي وشكله، فتغيير شكل الدولار وتصميمه لم يلغِ قيمة الدولار القديم، بل احتفظ كلاهما بنفس قوة الإبراء ونفس القيمة ونفس الغطاء.

أمَّا مبدأ تغيير العملة نفسها فأمر مختلف؛ حيث يتم إصدار عملة جديدة لها قيمة جديدة وغطاء جديد، ولعل أهم حالة عربية بهذا الشأن كانت السودان الذي استبدل بالجنيه الدينار عام 1991، وأصبح هذا الدينار يساوي عشرة جنيهات؛ أي إن القيمة الاسمية للعملة الجديدة أصبحت عشرة أضعاف القيمة الاسمية للعملة القديمة، كما يقول الخبير الاقتصادي.

ومن ثم، يضيف عبد المطلب: “إذا كان المقصود إصدار عملة قديمة بقيمة جديدة، بحيث تصبح القيمة الاسمية للجنيه الجديد مثلاً 100 جنيه قديم؛ فهذا يعني أن لدى المؤسسات النقدية أو الحكومة المصرية شعور بأن الجنيه المصري لم يعد قادراً على التماسك أمام ارتفاع الأسعار في الداخل، أو أن قيمته الحقيقية تراجعت أمام العملات الأخرى على نحو مقلق، أو لأن الدول والمؤسسات المصرفية العالمية ترفض قبوله كأداة للإبراء أو الوفاء بالالتزمات”.

ويؤكد الخبير المصري أن “هذه الخطوة ستُفقد حائزي الجنيه المصري الثقة فيه، وستدفعهم إلى التخلص منه بسرعة، والتكالب على شراء أصول أو ذهب أو عملات أجنبية؛ الأمر الذي قد يحدث بلبلة في الاقتصاد المصري”.

وتتباين آراء الخبراء بين من يرى القرار سبيلاً لإنقاذ الاقتصاد المتداعي بالبلاد من جهة، ومن يراه وسيلة جديدة لإرباك الاقتصاد المرتبك أصلاً من جهة أخرى، ولا سيما أن المصريين لم يتخلصوا بعد من تداعيات تعويم الجنيه، وما استتبعه من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار.

عضوة اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب المصري، ثريا الشيخ، أكدت أن اللجنة ستعقد اجتماعاً قريباً لإعداد قانون لتغيير العملة، وذلك بعدما ناقشت مع وزارة المالية جوانب إيجابية من القرار، مضيفة أن تغيير العملة “أفضل وسيلة لجذب الأموال المدخرة في المنازل وليس رفع فائدة البنوك”.

وأضافت في تصريحات صحفية “ثمّة عادة لدى المصريين تعتمد على تفضيل ادخار الأموال في المنازل بدلاً من البنوك، كما أن الكثير من الأشخاص يرفضون وضع أموالهم في البنوك خوفاً من الملاحقة القانونية بسبب التجارة غير المشروعة”، بحسب قولها.

وأشارت عضوة المجلس النيابي إلى أن اللجنة ستأخذ في الاعتبار تكلفة طباعة العملة الجديدة، وإن كان حجم الأموال المدخرة سيغطي تكلفة طباعة العملة الجديدة، متوقعة في الوقت نفسه أن يجبر قرار تغيير العملة المصريين على إخراج مليارات الجنيهات من المنازل إلى المصارف.

وجاءت هذه التطورات عقب مطالبة هاني توفيق، الرئيس الأسبق للجمعية المصرية للاستثمار المباشر، السيسي بتغيير شكل العملة، مؤكداً أن ذلك “سيخرج مئات المليارات من الجنيهات المدخرة في المنازل لإيداعها في البنوك، على أن توضع ضوابط لمنع السحب منها”.

واستند توفيق في حديثه إلى قيام الهند بتطبيق قرار مماثل في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهو ما رد عليه أستاذ الهندسة بجامعة قناة السويس، خالد رفعت، بقوله: “إن الهند عندما قررت تغيير عملتها غيرتها فجأة، فتمكنت من حصر الأموال المخبأة واسترجعت 40 مليار دولار للبنوك”.

وتابع رفعت: “أمَّا نحن فأدخلنا المقترح للجنة الاقتصادية بالبرلمان للدراسة؛ وهو ما سيؤدي لموجة من شراء العقارات والذهب، وتحويل الأموال إلى دولارات؛ هذا الأمر سيزيد التضخم وهروب الأموال”.

وهاجم رفعت، الذي كان من مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل أن يبدأ في انتقاد سياساته، الحكومة المصرية بقوله: “هذه المجموعة الاقتصادية إمَّا غبية جداً أو متواطئة جداً”.

الخبير الاقتصادي أشرف بدر الدين، أيضاً، وصف الخطوة بـ”الكارثة الاقتصادية”، مؤكداً أن اتجاه الحكومة لتغيير شكل العملة، هو محاولة لإجبار الناس على إيداع أموالهم بالمصارف. وأكد بدر الدين، عبر صفحته على موقع “فيسبوك”، أن “الحل هو تحويل المدخرات الحالية إلى دولارات”، مضيفاً: “النتيجة هي ارتفاع جنوني في سعر الدولار”.

وفي حال تنفيذ القرار في مصر فسيصاحبه إصدار قوانين بتغليظ العقوبة، ومنع السحب أو الإيداع من المصارف، أو التعامل نقداً بما يزيد على 10 آلاف جنيه مصري (أقل من 500 دولار)، والاستعلام عن مصدر الأموال عند الإيداع والسحب.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*