الرئيسية / كتاب وآراء / كتب ـ أحمد الجارالله: إلى متى ستبقى الكويت أسيرة المادة 206؟

كتب ـ أحمد الجارالله: إلى متى ستبقى الكويت أسيرة المادة 206؟

أقر الكونغرس الأميركي في 17 يناير عام 1920 قانون منع الكحوليات في الولايات كافة، تحت ضغط ما سمي “الحركة البروتستانتية المحافظة” التي فرضت جملة من المحاذير الاجتماعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، دفعت إلى فرض التعديل الثامن عشر للدستور الذي أقر قانون “فولستيد”، وحينها أثار التشريع جدلاً واسعاً، فالمؤيدون وصفوه بـ”التجربة النبيلة” وقدموه كانتصار للأخلاق الحميدة وصحة العامة، فيما اتهم المعارضون مؤيديه بفرض توجهاتهم المتطرفة.

بعد سريان القانون، ازدهر التهريب، وارتفع عدد المصانع السرّية للخمور المغشوشة، فيما كان فرض الحظر صعباً على السلطات التنفيذية لغياب التأييد الشعبي، بالإضافة إلى أنه كان سبباً رئيسياً في زيادة نفوذ المنظمات الإجرامية ونشوء السوق السوداء.

رغم نجاح هذا التشريع بخفض عدد مستهلكي الكحوليات، إلا أن معدل الجريمة ارتفع بشكل غير مسبوق، وكانت مجزرة “يوم القديس فالنتين” صدمة للشارع الأميركي، إضافة إلى ارتفاع معدل الفساد في دوائر الشرطة، وبين المشرّعين والمسؤولين المحليين بعد اتساع سطوة العصابات الإجرامية.

هذا المنع أدى إلى زيادة متعاطي المخدرات بشكل لافت للنظر، بل تحولت بعض الولايات مرتعاً للمجرمين ومهربي المؤثرات العقلية، وسجلت نسباً مرتفعة من القتلى ضحايا العصابات، أو تعاطي المخدرات، والخمر المغشوش، فيما عرف يومها بـ”الحرب الكيماوية” المحلية.

في العالم العربي، حيث الغالبية تدين بالإسلام، وتتخذ دوله منه مصدراً رئيسياً للتشريع، لا تزال هناك ثلاث دول تمنع الكحوليات، هي الكويت والسعودية والعراق، فيما السودان رفع الحظر قبل أشهر قليلة، وسمح بالخمور لغير المسلمين فقط، في حين ينشط في هذه الدول، ومنذ زمن، تهريب الخمور والمخدرات وتعاطيها، ويومياً هناك جريمة ناتجة عن ذلك، ففي العراق، مثلا، وبعد إقرار الحظر عام 2016، زادت نسبة متعاطي المخدرات بنحو 45 في المئة، عما كانت عليه قبل ذلك، وتحولت سوقاً رائجة للتهريب.

ولا يكاد يمضي يوم إلا ونقرأ عن ضبط كميات من المخدرات مهربة من إيران أو غيرها من الدول إلى الكويت والسعودية والعراق، وفي وقت يتفاخر فيه رجال الجمارك بضبط كميات من الخمور المهربة، تنهال على هذه الدول كميات من المخدرات المعروفة المصدر، إذ من أساليب الحرب الناعمة التي تمارسها إيران وبعض الجماعات المتأسلمة المرتبطة بها، أكانت سُنية أو شيعية، تخريب المجتمع، وجرّ الشباب إلى تعاطي المخدرات وزيادة معدلات الجريمة الجنائية.

منذ زمن يواجه من يطالب بالسماح بالخمر بهجوم كبير من المتاجرين بالحظر، أكانوا ممن يتخذون الدين ستاراً، أو المتضررين من إباحته، فيما هم في الحقيقة مهربون وتجار خمور ومخدرات، لهؤلاء، كما كانت الحال، في الولايات المتحدة الأميركية خلال سنوات الحظر، تيارهم السياسي في السلطات التشريعية والتنفيذية، وكذلك المؤسسات الدينية التي تعمل على إبقاء الحظر حتى لا تتضرر تجارتها.

خلال 13 عاماً سقط في الولايات المتحدة ما يزيد على 70 ألف قتيل، أكان جراء الخمر المغشوش، أو ضحايا صراع العصابات الإجرامية وقوات إنفاذ القانون، فيما ارتفع إنفاق حكومات الولايات على مكافحة المخدرات، ومراكز الرعاية الاجتماعية للمدمنين بنحو 60 في المئة من ميزانياتها، وتكبدت السياحة خسائر كبيرة.

لا شك أن الإبقاء على الحظر في الكويت والسعودية يعني المزيد من ضحايا المخدرات، إذ إضافة إلى الذين يموتون بسبب الكحوليات المغشوشة المصنّعة محليا، فإن ذلك يزيد أيضا من الأعباء على أجهزة الأمن، ويؤدي إلى اتساع نفوذ عصابات التخريب الاجتماعي المرتبطة بالمتربصين بالدولتين، فيما نرى في المقابل انخفاض نسبة الجريمة في الإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان، بعد رفع الحظر عن الخمر، إضافة إلى انتعاش سياحتها.

ربما آن الأوان بإعادة السلطات المعنية النظر في هذا الأمر، والسماح بالخمور، أو بالحد الأدنى غض النظر عنها، لأنها بذلك ستحول دون سقوط آلاف القتلى جراء جرعة زائدة، أو خمر مغشوش، ففي الكويت، مثلا، لا يمكن أن نتحدث عن مشاريع سياحية عملاقة، وتطوير الجزر والمنطقة الاقتصادية الشمالية، ونحن أسرى المادة 206 من قانون الجزاء.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*