الرئيسية / كتاب وآراء / د . محمد العوضي يكتب: إسطبل “داعش”… وأئمة الكفر!

د . محمد العوضي يكتب: إسطبل “داعش”… وأئمة الكفر!

“فقاتلوا أئمة الكفر” بهذه الآية الكريمة الآمرة بقتل عتاة الكافرين، وجلاوزة المشركين، ممن آذوا دعوة الإسلام، ووقفوا في وجهها، وسدوا عليها كل منفذ، وحاربوا صاحبها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، ودعاتها، بكل ما يخطر، وما لا يخطر على البال، من وسائل، وجهود، وإمكانات.

بهذه الآية استدل تنظيم “داعش” الإرهابي – في إصداره الإعلامي الأخير- على وجوب قتل علماء المسلمين، ودعاتهم، وأن قتلهم أوجب من قتل غيرهم من المرتدين، لأن الشر والفساد والضلال والإغواء الواقع منهم لا يمكن أن يوصف به غيرهم ممن لا يمكنه الوصول إلى منزلتهم العلمية والشرعية، حسب ما جرى على ألسنة بعض سفهائه في الإصدار، فهؤلاء (العلماء) أدعى أن يكونوا المستهدف الأول لأفراد هذا التنظيم الدموي ممن لم يحالفه الحظ، ولم تسعفه القدرة للالتحاق بأرض الخلافة المزعومة.

هكذا وبكل بساطة يخرج بعض الشباب المتحمس ممن لا حظ له بالعلم ليطلق التعميم بالتكفير أولاً، ومن ثم بالدعوة إلى القتل ثانياً، وبالتقرب إلى الله تعالى بهذا العمل ثالثاً! وكلها مقدمات يبطل أولها آخرها.

إلا أن الناظر بعين الفاحص والناقد لهذا الإصدار يلمح أموراً ظاهرة تلفت الانتباه من بدايته إلى نهايته، يجدر تسليط الضوء عليها، وعدم القفز عنها، أو تجاوزها، ومن ذلك:

يبدو أن هذا الإصدار من أواخر إصدارات التنظيم، وإن شئت فقل: إصدار جديد! وكونه بهذه المنزلة والمكانة، وبهذا التوقيت، ثم لا يخرج متحدثاً فيه إلا مجهول، أو مغمور، أو من لم يعرف إلا بكنيته! فهذا يعطي انطباعاً أن هذا التنظيم لا يمتلك من القيادات الشرعية، والقامات العلمية، ما يمكن أن يقدمه أفضل من هؤلاء! على أنه لا يحسن التغافل أو التجاهل عن تدني المستوى العلمي لهؤلاء الأغرار كتلك الأخطاء اللغوية التي لو وقعت من طالب في مرحلة الثانوية لعدّ ذلك معيباً، فضلاً عن منظر ومتحدث باسم دولة الإسلام، وخلافة المؤمنين!!

هذا أولاً.

ثانياً: لم يأتِ الإصدار بشيء جديد، أو معلومات مهمة كانت مخفية ردحاً من الدهر، فانفرد التنظيم بالاطلاع والوقوف عليها دون سواه! بل هو كلام مكرر، ومجتر، يعرفون به في كل إصداراتهم، فاللغة السائدة عندهم، والأحكام المتداولة بينهم، تكفير وتكفير وتكفير، ثم ختامه، قتل وذبح، كل ذلك تحت شعار الله أكبر!

بيد أن الذي يمكن أن يضيفه هذا الإصدار عن غيره هو جرأة الوقاحة والوضوح بأعيان من يقصدون من العلماء والمشايخ والدعاة الواجب قتلهم وتصفيتهم، والذي وصفهم بـ “حمير العلم”! تلك التهمة التي حاول دون فائدة كثيرٌ من أتباع التنظيم دفعها عنه وعنهم بهذا الخصوص، وأنهم معظمون للعلماء، يصدرون عن آرائهم، ويرجعون إليهم في كل صغير وكبير!

ثالثاً: كل ما ورد في هذا الإصدار من أسباب، ودوافع، أو حجج، لوصم هؤلاء العلماء والدعاة بالردة، وإنزال هذا الحكم عليهم وفيهم، يمكن الرد على كثير منه، وتفنيده، بل من السهولة بمكان أن يأتيهم المُخالف من أقوالهم وأفعالهم ما يجعلهم داخلين تحت مقصلة هذا الاستدلال، غير منفكين عنه.

بل لا أكون مبالغاً لو قلت إن في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، والقادة والأئمة من بعدهم، ما لو اطلع عليه هؤلاء، ونظروا إليه من زاويتهم، لكان داخلاً تحت هذا الاستدلال! وهذا ما صرح به بعضهم! تماشياً مع عقيدته التي يدين الله تعالى بها، والتي توجب عليه التسليم للدليل، وعدم المبالاة بالمخالف!

رابعاً: الدندنة المعهودة من هذا التنظيم حول وجوب الأخذ عن العالم العامل، والمفتي المجاهد، والتستر خلف قوله تعالى: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”، والتترس وراء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وغيره من العلماء، بات ممجوجاً، لا ينطلي إلا على السذج من أتباعهم الذين أعموا أبصارهم، وصمّوا آذانهم، وغلفوا عقولهم، إلا عن منظريهم وموجهيهم! وإلا فمن قال إن غِرًّا يحق له الفُتيا في دماء وأعراض الآخرين، لا لشيء إلا لأنه أصبح يشار إليه بـالمجاهد الفلاني أو العلاني!! أهكذا يمكن فهم آيات الله تعالى، والاستدلال بها؟!

ثم إن في كلام شيخ الإسلام من الرفق والرحمة وطلب العذر للمخالف، ودفع التهمة عنه، والتأول له بالكثير من الوجوه، ما لو طبقه هذا التنظيم، لعصم الله سكاكينهم من دماء طاهرة أسالتها مثل تلك الفتاوى والإطلاق الباطل، ولكن أنّى لهؤلاء أن يرعووا، ويثوبوا إلى رشدهم وهم يرون أنهم أهل الحق المطلق والوحيد في هذا الكون؟!!

خامساً: وحتى نكون منصفين في كلامنا، لا تأخذنا العاطفة فتحرفنا عن الصواب، لا بد من بيان أن مواقف بعض العلماء والدعاة ليست مما يحمد، أو على الأقل نقول: كان يسعه السكوت!

فليس مطلوباً من كل عالم أو داعية أن يكون له تصريح وبيان في كل واقعة أو نازلة، ثم تراه بعد فترة متراجعاً عما كان يراه في السابق، ويعده خطأ، ويتبرأ منه، فإذا ما حوقق ونوقش تنصل وتهرب، بل وأنكر أن يكون صدر منه شيء من ذلك!

فهذا مما يزهّد الناس في أهل العلم والدعوة، ويجعلهم في مصافّ المتكسب دنياه بدينه، والأجدر بهؤلاء الترفع عن التعميمات غير المنضبطة، والتصريحات الفجة، لتبقى صورة العالم بنقائها وإشراقها.
* نقلا عن الراي

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*