جريدة الحقيقة الإلكترونية
لقد أثبتت بعض التحقيقات في نشاط جماعات إرهابية في العالم العربي وخارجه أن كثيرا من المتطرفين يجري تجنيدهم وإعطاؤهم التوجيهات عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يضع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أمام مسؤولية فريدة من نوعها.
ولقد تبيّن أن منفذي العمليات الإرهابية غالبا ما يرتبطون بهذه الآلية المنظمة لعملهم، فالآلة الإعلامية هي أهم وسيلة للتجنيد والتعبئة، وأيضا للتنسيق بين الإرهابيين بالذات.
هذه التنظيمات تستخدم تويتر وفيسبوك والإنستغرام وغيرها لإيصال رسائل بلغات متعددة، وجرى تأسيس مراكز لهذه الغاية، سعيا إلى استقطاب الشباب و«توظيفهم» في هذه المهام، وصار لديهم مئات من المتفرغين والمحترفين في إدارة المواقع الإلكترونية، ويجري توظيفهم من أجل بثّ صورة معاكسة تماما للواقع، وفي الفترة الأخيرة صار لديهم مئات الموظفين في مجلاتهم ومواقعهم الإلكترونية وغيرها.
غريب أمر هؤلاء الذين يتفرغون للقيام بمهمة تشكل تضليلا منسقا، وتشويها للواقع، ومسعى لتجنيد الشباب في متاهات لن تؤدي إلا للخراب والدمار، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.
هذه الشبكات والمواقع صارت تطمح للوصول إلى الرأي العام العالمي، متخطية الحواجز على اختلافها، وصولا إلى جمع التبرعات، حتى التنسيق بين الإرهابيين أصبح يجري في معظمه بهذه الطرق بالذات، وفي حالة حجب بعض المواقع، فسرعان ما تظهر مواقع أخرى، وأصبحت عناصره قادرة على الهروب من الملاحقة الإلكترونية، وطرق التخفي الإلكتروني.
واللافت هو أن بعض الضالعين في الإرهاب يقوم بتجنيدهم شخص قابع في بيته، وتحركاته غير مكشوفة، وبعيدا عن الوسائل التقليدية كالمساجد والجمعيات الخيرية وغيرها، حتى أنه يجري تجنيد جيل من المتعلمين والاختصاصيين، كالأطباء وعلماء الفيزياء والكيمياء، وكل ذلك ضمن هذا «الجهاد الإلكتروني» الذي نرى أمثلة صارخة عليه في تونس وجوارها، وحتى في أنحاء من أوروبا.
بل أكثر من ذلك، يصار إلى استخدام الرومانسية وقصص الحب، لتجنيد فتيات في هذا المضمار، أما «الحياة المريحة» للمقاتلين، فيجري إظهارها بصورة مفتعلة، عيشة فيها رفاهية وراحة.
ومؤخرا، صار الخطر يتهدد أوروبا بالذات، وليس فقط العالم العربي، والتحقيقات المتعلقة بهجمات باريس وامتداداتها البلجيكية، أكدت وجود طرق مبتكرة لتنسيق خطوات المتطرفين والإرهابيين، ففي السنوات الأخيرة تفاقمت قدرة التنظيمات الإرهابية على استقطاب العناصر الجديدة في صفوفها عبر بوابة التجنيد الإلكتروني.
وصلاح عبدالسلام، العقل المدبر لتفجيرات باريس، استطاع التنقل والتحرك لمدة أربعة أشهر في أنحاء متعددة من أوروبا، من دون أن تتمكن أجهزة الأمن والمخابرات من «اصطياده»، إلا بعدما أصيبت بالتعب والإرهاق، حتى أنه كان بارعا في التخفي، وفي استخدام أسماء مستعارة، مستعينا بالوسائل التقنية التي أشرنا إليها، ولا شك في أن مكافحة الإرهاب وشل قدراته الإلكترونية و«التسويقية» هي مهمة بالغة الدقة، وتتطلب تنسيقا فعالا بين الدول والهيئات والمؤسسات الراغبة فعلا في التخلص من هذه الظاهرة.
بقلم الكاتبة / فوزية أبل
