جديد الحقيقة
الرئيسية / محليات / الفلاح: التكلفة المالية أكبر خطر يهدد الخدمات الصحية

الفلاح: التكلفة المالية أكبر خطر يهدد الخدمات الصحية

صرح الدكتور وليد خالد الفلاح وكيل وزارة الصحة المساعد لشئون الجودة والتطوير أن التمويل هو أساس أي مشروع وأساس أي مؤسسة، وأن التفكير بمشروع حديث أو استحداث مؤسسة جديدة أو تطوير مؤسسة قائمة بدون توفير التمويل المناسب يصبح مجرد وهم وخيال. هذه الحقيقة البسيطة أصبحت من البديهيات في العصر الحديث، إلا عند مناقشة منظومة الخدمات الصحية وكأن الخدمات الصحية تعمل تلقائياً ومجرد الحديث عن المال والتمويل هو أمر لا يليق بهذه الخدمات. هذه النظرة منتشرة بكثرة عند العاملين في مجال الخدمات الصحية والقائمين عليها، ولعل السبب أن تدريس وتدريب القوى البشرية في مجال الخدمات الصحية من أطباء وتمريض وفنيين وغيرهم يتجاهل تماماً مناقشة تمويل هذه الخدمات وتعريف هؤلاء بمبادئ الاقتصاد والتمويل. ومن الملاحظ أيضاً أن التخطيط لتوسعة الخدمة وبناء المزيد من المنشآت الطبية المستقبلية تتم الموافقة عليه دون دراسة الزيادة المطلوبة في ميزانية الجهة التي تقدم الخدمة لتمكينها من تشغيل هذه المنشآت بشكل مستمر بعد الإنتهاء من تنفيذها. حيث أن الميزانية المعتمدة هي فقط لبناء وتجهيز المشروع الإنشائي، ولا يؤخذ في الحسبان الميزانية المطلوبة لتشغيل هذا المشروع من حيث تكلفة القوى البشرية وتكلفة الأدوية والمستلزمات والمواد الطبية وغيرها من التكاليف المطلوب توفيرها سنوياً.

ومن هذا المنطلق فإن خبراء اقتصاديات الصحة على مستوى العالم يحذرون بشكل متواصل، خلال العشرين سنة الأخيرة، من خطورة الاستمرار في النظام المتبع حالياً في مجال الخدمات الصحية. حيث لاحظ هؤلاء أن ميزانية هذه الخدمات في دول العالم تزداد بسرعة كبيرة جداً وسوف تواجه حكومات تلك الدول أزمة مالية لتمويل الخدمات الصحية التى تقدمها لشعوبها إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن. ويحدد هؤلاء الخبراء ثلاث أسباب رئيسية لهذه الزيادة المتسارعة في ميزانية الخدمات الصحية:
1- زيادة الطلب على الخدمات الصحية نتيجة لارتفاع معدلات الأعمار وزيادة شريحة كبار السن في الدولة الذين يتطلبون اهتمام خاص وخدمات طبية مكثفة.
2- ارتفاع عدد المرضي الذين يشكون من أمراض مزمنة لها مضاعفات متعددة.
3- التكلفة الباهظة والمتزايدة للتكنولوجيا الحديثة المستخدمة في مجال الخدمات الصحية.

نشرت مؤخراً صحيفة ‘الانديبندت’ الرصينة تقريراً خطيراً عن الوضع المالي الحرج بالنسبة للخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، وأطلقت الصحيفة على الوضع الراهن لهذه الخدمات مسمى ‘القنبلة الموقوتة’. تتميز الدول المتقدمة عن غيرها بإدراكها لأهمية توفر البيانات والمعلومات الصحيحة والدقيقة والشاملة عن كافة جوانب أنشطة القطاع الحكومي والقطاع الخاص في الدولة، ومن أهم هذه البيانات والمعلومات ما يتعلق بالجوانب المالية والاقتصادية وما يسمى في مجال الخدمات الصحية ‘ بالحسابات الصحية الوطنية ‘. كما أن هذه الدول تتميز بالشفافية وتنشر هذه البيانات والمعلومات لتكون متوفرة للجميع ولكي يستخدمها صناع القرار في مجالات التنمية والتخطيط المستقبلي والتطوير المستمر. مضى على الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة 66 عاماً وأساس هذه النظام الصحي هو توفير الخدمات الصحية للجميع على أساس الحاجة إليها وليس على أساس المقدرة على دفع تكلفتها من قبل المرضي. وفي السنوات الأربع الأخيرة تعرضت ميزانية هذه الخدمات للقيود المالية لعدم زيادتها، وعلى الرغم من أن الميزانية الحالية بلغت 113 بليون جنيه إسترليني ( منها 50 بليون رواتب للعاملين و 13 بليون تكلفة الأدوية ) إلا أن الخبراء يحذرون من أن زيادة الطلب على الخدمات وارتفاع تكلفتها سوف يؤدي إلى عجز مالي في الميزانية يبلغ 30 بليون جنيه إسترليني عند حلول العام 2020.
ولهذا فإن التقديرات المالية لتلافي هذا العجز هو زيادة الميزانية المالية بنسبة 4٪ سنوياً. وعلى مستوى العالم فإن أعلى نسبة إنفاق على الخدمات الصحية من إجمالي الناتج القومي هي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تبلغ 18٪ بينما في أوروبا تبلغ النسبة من 9 إلى 12٪ في الدول الأوروبية المختلفة وفي المملكة المتحدة 10٪.

ولو تأملنا في الوضع الحالي للخدمات الصحية في دولة الكويت لوجدنا ميزانية وزارة الصحة في السنوات السبع الأخيرة قد زادت ثلاث أضعاف تقريباً ( ما يقارب 300٪ زيادة )، حيث كانت في السنة المالية 2007 / 2008 ( 625 مليون دينار ) وفي السنة المالية الحالية 2014 / 2015 ( 1800 مليون دينار ). وبما أن وزارة الصحة تقوم حالياً بتنفيذ مشاريع إنشائية كثيرة وتخطط لبناء مشاريع بنائية مستقبلية بهدف زيادة السعة السريرية في مستشفيات الوزارة أكثر من الضعف ( من 7000 سرير إلى 15000 سرير )، فإن هذا يستوجب قطعاً أن ترتفع ميزانية وزارة الصحة بشكل كبير جداً لكي تتمكن من تشغيل كل هذه المشاريع الإنشائية المتعددة. ومن المرجح أن تحتاج وزارة الصحة في المستقبل القريب، في حالة الإنتهاء من بناء كل هذه المشاريع الإنشائية، ميزانية تقديرية تبلغ ( 3000 إلى 3500 مليون دينار ) سنوياً ومثل هذا المبلغ الضخم سوف يكون عبئاً كبيراً على ميزانية الدولة!!. ومن هنا أصبح الإصلاح الصحي وإعادة هيكلة المؤسسات المقدمة للخدمات الصحية وتحديث القوانين والتشريعات الصحية وتطوير آليات ونظم العمل في تلك المؤسسات أمراً مطلوباً ومستعجلاً ولا يحتمل التأخير أو التأجيل.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*